لم يعد حراكنا التنموي والاقتصادي والثقافي مقصورا على المراكز الكبرى بالوطن كالرياض وجدة والدمام، بل أصبح غيمة تمطر على كل جزء من هذا الوطن.
وأتوقف عند المهرجانات التي نعيشها طوال العام في «روزنامة» السياحة والثقافة والترفيه.
ومن أبرز هذه المهرجانات التي تشي بالمكتسبات التي تحققت بالوطن وبمستوى الوعي الذي وصل إليه المواطن، ولم تعد هذه المهرجانات تنهض بها الحكومة فقط، بل أصبحت مؤسسات المجتمع المدني تقيمها هي الأخرى.
* * *
وأتوقف هنا عند المهرجانات الثقافية الناجحة التي تقيمها «الجمعية الصالحية الخيرية» بمحافظة عنيزة، بذراعيها التنفيذيين الرجالي والنسائي «مركز المربي ابن صالح الاجتماعي والثقافي» و «مركز الأميرة نورة بنت عبدالرحمن الاجتماعي».
لقد أقامت الجمعية هذا العام النسخة السادسة «لمهرجان عنيزة للتراث والثقافة» الذي يحقق دورة بعد دورة نجاحات متواصلة: إسهاما بمزيد من المنجز السياحي والثقافي بعنيزة وبمنطقة القصيم وبالوطن عامة وهو مهرجان تتنوع برامجه ومناشطه بشكل مشوق من ندوات ومحاضرات وأمسيات، وتكريم للبارزين من النساء والرجال، فضلا عن الدورات والورش والنشاط الفني من تشكيل ومن فن غنائي أصيل.
* * *
ولعل الجميل والمفرح أن تقوم على هذا المهرجان المتميز والمنتظم كفاءات وطنية هم منسوبو ومنسوبات الجمعية الصالحية التي لا تستعين بشركات أو منظمين، بل تعتمد بعد الله على كفاءاتها هم الذين يعدون ويرتبون وينظمون مناشط المهرجان سواء منها الرجالية أو النسائية - يقودهم أمين عام الجمعية النشط أ - صالح بن محمد الغذامي ومعه كفاءات الجمعية بمركزيها الرجالي والنسائي الذي تديره م. ندى النزهة وزميلاتها الكريمات.
وقد تحدث وكتب عن نجاح مناشط المهرجان الرجالية والنسائية عدد من الكتاب والمثقفين ونشر عدد من المثقفات الكاتبات مقالات جميلة مثل د. خيرية السقاف ود. هيا السمهري بعدما حضرن وشاهدن وشاركن في المهرجان بمركز الأميرة نورة.
* * *
الجمعية الصالحية بعنيزة «تأسست على مبدأ الوفاء لمعلم الأجيال بعنيزة الأستاذ صالح بن صالح رحمه الله، أول من افتتح مدرسة أهلية على النهج الحديث بنجد حيث بعد وفاته تداعى أوفياء من تلامذته تقدمهم معالي الشيخ الوفي عبدالله العلي النعيم حتى أصبحت هذه الجمعية منارة عطاء، ومعلماً اجتماعياً ومناراً ثقافياً بمحافظة بعنيزة وصُنفت على أنها من أبرز الجمعيات بالوطن بأعمالها الاجتماعية والخيرية والثقافية والتعليمية.
* * *
ومن أبرز مناشطها على مستوى الوطن «مهرجان عنيزة السادس للتراث وللثقافة « الذي يضاهي المهرجانات المماثلة والناجحة بالمملكة بتنوعه وانتظامه ومشاركة أطياف كثيرة من مثقفي ومثقفات المملكة بكل دورة وبتكريمه لأبرز الشخصيات الثقافية نساء ورجالا.
* * *
ويحظى هذا المهرجان بعناية واهتمام ومتابعة سمو أمير القصيم المثقف د. فيصل بن مشعل بن سعود الذي يتابع كل خطوات إقامته ويحضر حفل افتتاحه، ليس حضورا «بروتوكوليا « فقط وإنما راعٍ للتكريم ومفتتح لأبرز مناشط المهرجان ومشارك بكلمة تلامس المنحى الثقافي بالوطن.
إن مثل هذه المهرجانات تُحفِّز أبناء الوطن وبناته على المزيد من العطاء وبخاصة عطاء الإنسان السعودي الثقافي وقد أشرت بكلمتي التي ألقيتها بالمهرجان نيابة عن المكرمين إلى ذلك، حيث تحدثت فيها عن هذا المهرجان ومكتسباته وقد استفتحتها بأبيات شعرية من قصيدة عذبة للشاعرة «نجاة الماجد» التي زارت القصيم ذات عام وشاركت بأمسية شعرية وأوحت لها الزيارة بقصيدة حب للقصيم:
« قف بالقصيم ودع روحي وراحلتي
بيانع الزهر والأشجار تلتئم
كمْ من ليالٍ خيولُ الحُلم تصحبني
إلى رباها وطيف الحسن يبتسم
حيث البساتين حيث النخل باسقة
حيث الغضا والمجد والشمم
هي الثقافة والآثار منبعها
وهي المنارة والآداب تنتظم»
هناك مكوّنان مشرقان لا تقوم حضارة نريد أن تبقى إلا عليهما:
منار التراث والأصالة ومنارة الكلمة والثقافة، تلكم هما الشجرتان : الأجمل ولأبقى.
وهذا الوطن ليس غابات أسمنت أو طرق أسفلت أو مظاهر مدنية أو آبار بترول فقط، لكنه قبل ذلك وبعده: وطنُ وعقيدة وإيمان، وبلد تاريخ وأمان، ونبع علم وآداب وأنهار وتراث وميراث.
ورحم الله غازي القصيبي عندما رد على من ينظرون لبلادنا على أنها بلد «نفط» وحسب فقال:
نفط يقول الناس عن وطني
ما أنصفوا، وطني هو المجد
إن القصيم أحد مناهل الوطن تاريخا زاهياً وحاضرا مزدهراً ومستقبلا مشرقا بحول الله.
وها هي إحدى عرائس القصيم الأخضر.. «محافظة عنيزة» أو كما سماها سمو أمير القصيم: « محافظة الإنسانية» احتفلت بافتتاح مهرجانها السادس للتراث والثقافة بشطريه الرجالي والنسائي وبمناشطه بأطيافها المختلفة: حفلا ومعرضا وتكريما ومحاضرات وندوات وأمسيات وفعاليات ترفيهية وتسويقية وسياحية أشعلت ليل القصيم ألقا وتعانقت ساعاتها أنسا وطيبا.
من توفيق الله أن حظيت القصيم، إحدى «أيقونات» الثقافة السعودية بكثرة علمائها وأدبائها وشعرائها ومثقفيها وإعلامييها رجالا ونساء.
تماما، كما أمير مثقف جسد الثقافة عطاء وتحفيزا لكل جميل يبدعه أبناؤها وبناتها هذا الأمير الذي أدار إمارتها «بالحب» وكان بوصلته لقلوب الناس فقايضه أهل القصيم هذا الحب فأثمر ذلك منجزات على كافة الأصعدة والمنصات والميادين، ولكأن الشاعر يعنيه عندما قال :
طوبى لمن جعل المحبة جدولاً
فسقى أحبته: فطاب وطابوا
* * *
لعل الجميل واللافت أن من ينهض بهذا المهرجان إحدى مؤسسات المجتمع المدني « الجمعية الصالحية بعنيزة بذراعيها التنفيذيين مركز المربي ابن صالح الاجتماعي الثقافي، ومركز الأميرة نورة» الاجتماعي وهي تقيم وتنهض بهذا المهرجان التراثي الثقافي منذ 12 عاما وكل دورة أحصد نجاحا يضاف إلى مكتسبات المهرجان الماضية، بل يتفوق عليها.
فلهذه الجمعية «مجلسا وإدارة ولجان ومنسوبين» وافر الامتنان فقد طوقونا بهذا التكريم وسرورنا ازداد لأن التكريم جاء من مؤسسة قامت على التكريم والوفاء وسمت للتقدير والإيفاء ويرعى مهرجانها أمير العطاء، ونتوق نحن أن نكون أهلا لهذا الاصطفاء.
وبعد:
أدام الله هذا العطاء والنشاط والحراك التنموي والاقتصادي والثقافي بكل جزء من أجزاء الوطن وحفظ لنا هذه الأرض الغالية: واحة إيمان ودوحة أمان وباحة نماء.