محمد آل الشيخ
في تصريح غاية في الأهمية، أعلن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو أن الولايات المتحدة بصدد إنشاء تحالف دولي لاحتواء التعديات الإيرانية. وهذا يعني أن جمهورية الملالي إن هي كابرت، ولم ترضخ للشروط الجديدة المطلوب منها إلحاقها بالاتفاقية النووية، فإن سنوات عجاف تنتظرها في المستقبل المنظور. الدول الأوربية التي تظهر لإيران بعض اللين في إبقائها على الاتفاقية النووية معها، ستوظف هذا التوجه الأمريكي الجديد في الضغط على إيران للانصياع لإضافة شروط جديدة للاتفاقية، كما يطلب الرئيس ترامب، وإلا فإن الدول الأوربية ستنضم للتحالف المزمع إنشاؤه، لأن مكابرة إيران وعنادها يجعل من مصلحة الأوربيين عدم مجاملتها، والبقاء خارج هذا الحلف الذي تقول كل المؤشرات أنه سيكون واسعا، ولا يمكن لإيران إلا أن ترضخ، وتقبل ما يعرض عليها، لأن الإمعان في التحدي مقامرة خاسرة بكل المقاييس.
والسؤال الذي يفرضه السياق هنا : هل ستبقى تركيا أردوغان خارج هذا الحلف، فيما لو رفض شروطه الإيرانيون،وأصروا على عدم الرضوخ؟.. أغلب الظن أن أردوغان، المتقلب، والمتلون، سيقلب للإيرانيين ظهر المجن كما هو ديدنه، ويتركهم يواجهون واقعهم المزري. أما الروس فمن مصلحتهم (التفرد) بسوريا، وإجبار إيران على الخروج منها، فقد كانت في السابق في حاجتهم كميليشات ليؤدوا مهام قتالية على الأرض، أما الآن والحرب الأهلية السورية على وشك أن تضع أوزارها، فإن بقاءهم في سوريا من شأنه أن يخلق لهم بعض الحساسيات والإحراجات، خاصة مع إسرائيل؛ وهذا ما تحاول روسيا تفاديه، وفي تقديري أن الرئيس بشار الأسد يسعى هو الآخر إلى التخلص منهم، بعد أن انتهت الحاجة إليهم؛ وهذا ما ألمح له مؤخراً بعيد زيارته المفاجئة لروسيا قبل أيام.
لذلك فإن إيران بعد إعلان وزير خارجية الولايات المتحدة عن التحالف الجديد المزمع إنشاؤه لاحتواء إيران ليس أمامها إلا أن تتخلى عن طموحات الهالك الخميني، وتترك عنها التمدد والتوسع، وتصدير الثورة، وتعود لترتيب البيت الإيراني من الداخل، الذي أصابه من الوهن والمشاكل الاقتصادية ما يُنذر أن دولة الملالي برمتها على وشك كارثة حقيقية.
كما أن مواجهة إيران، وكبح جماح أذرعتها في المنطقة، سيضع حزب الله اللبناني بين المطرقة والسندان، ولأنه الآن هو المهيمن على الدولة اللبنانية، فإن هذا البلد المنهك اقتصاديا بديون تصل إلى تسعين مليار دولار، سيواجه أزمة حقيقية، فحزب الله الذي حصد ومعه مناصروه نصف أصوات البرلمان اللبناني، سيجد نفسه مضطراً لعدم تسلم حقائب وزارية سيادية كما كان يؤمل، بعد أن صنفه الأمريكيون ومعهم الخليجيون كمنظمة إرهابية، أضف إلى ذلك أن الإعانات النقدية التي كان يتقاضاها حزب الله من حكومة الملالي وقدرها سبعمائة مليون دولار، سيجد الإيرانيون أن لا بد من إيقافها، أو على الأقل تقليصها، الأمر الذي سيحد قطعا، وبشكل كبير من نفوذه، واستقطابه للمناصرين. كما أن تجارة المخدرات التي يمارسها ممولون للحزب، لم تعد كما كانت في السابق، كل ذلك سينعكس انعكاسات سلبية على الحزب، الذي هو أهم أذرعة إيران للتحكم بالمنطقة العربية.
إيران تكالبت عليها الظروف من كل حدب وصوب، ولا أعتقد أنها ستفلت هذه المرة إلا إذا انتهجت التهدئة والعقلانية والتخلي عن سياساتها العدوانية.
إلى اللقاء