عبده الأسمري
السلوك هو نقطة الانطلاق ومنبع التعامل تجاه المؤثرات الحياتية المختلفة، فمنه نقرأ شخصيات الآخرين وفيه نستقرئ تفاصيل التعاملات.
يظل السلوك البشري والشخصية وجهين للذات الإنسانية في المعاملات والتعاملات في ميادين الإيجابية والسلبية ويترابطان مع مكملات التربية والمؤثرات والخبرات والتجارب التي تبدأ مع الإنسان فور إحساسه الأول بالحياة وبالآخرين منذ سنوات طفولته الأولى.
من السلوك تتحدد مواقفنا وتتعدد وقفاتنا تجاه التأثيرات ووفق الاستجابة التي يبرمجها السلوك حتى يشكل في نهاية المطاف نوع الشخصية وصنف التوقعات والميول والتوجهات نحو ردود الأفعال المؤكدة والمتوقعة لذا فإن العملية رغم تعقيداتها تجعل للسلوك ميزاناً يجعله ظاهراً في شكل معين مرجحاً الكفة نحو الخير أو الشر.
من السلوك تظهر الحيل الدفاعية التي يقوم بها بعض الأشخاص ويظهر السلوك ذاته ويلات المرض النفسي حتى وإن كان مختفياً وراء شخصية تمارس أفعالها بنظام الأقنعة وإطارات التزييف.
ويكشف السلوك ذاته اللثام عن الشخصيات المخادعة والمزيفة عندما يظهر وجهها الحقيقي حينما تبين على واقعها بعد أن ظلت أعواماً متخفية في غياهب الحقد وغيابت الخداع.
السلوك هو المعيار الحقيقي الذي لا يكذب حتى وإن ظل متوارياً بين خفايا التحايل أو الحيل أو الإسقاطات إلا أن وجهته الحقيقية ومساره الأساسي سيظهر لأن تفاوت السلوكيات وتضارب المواقف في شخصية واحدة ينم عن خلل كبير وعقد أزلية تهمين على الذات مما يحول الملمح الأخير ليكون عنوانا للشخصية مهما مارست التلاعب الذاتي أو الزيف السلوكي.
أمام هذه السلوكيات هنالك ميزانية من التعاملات لكل إنسان يجب أن يصرف وأن يدخر منها وفق التأثيرات التي تحيط به سواء كانت ذكرى أو واقع معاش أو توقع مفترض فالتعاملات ردود أفعال وسلوكيات مبرمجة تعكس شخصياتنا على واقعها لذا من المهم أن يكون رصيدنا لدى الآخرين جميلا حتى مع بعض الذين لا يستحقونه لأن ذلك يعكس ذواتنا الحقيقية ويظهر مرآة أفعالنا وفق سماتنا حتى وإن تعاملنا مع الحمقى والسفهاء الذين يشكلون «امتحانا» و»بلاء» و»ابتلاء» يصادفنا في درب الحياة كثيرا لأن ديننا الإسلامي يحثنا ويأمرنا بالتغافل والتجاهل لا سيما أن واجهت عقولا «فارغة» وقلوبا جاهلة.
وإذا راجعنا ميزانية التعاملات علينا أن نلغي منها بنود «الشر» التي يجب أن تكون فارغة لتملأ بالخير الذي يعكس سلوكنا الحقيقي وأن نحمي هذه المساحة بأن تكون «بدون رصيد» حتى نسير بالميزانية إلى النجاح مهما حاول جاهل أو سفيه أن يجذبنا إلى مساحته الممتلئة برصيد بائس.
بين ميزان السلوك وميزانية المعاملات تسير النفس الإنسانية في حياة لا تخلو من النوائب والمصائب والابتلاءات سواء في المواقف أو الظروف أو الأشخاص فهذه الحياة تظل مجموعة من الصراعات ومحاولة حلها ويظل الإنسان في شد وجذب مع ماض مرتهن للذكريات وحاضر مسكون بالتوقعات ومستقبل مرهون بالتنبؤات لذا عليه أن يحرص على سلوكه والمضي قدما في معادلة اتزان بين المثيرات والاستجابات. عليه أن يكثر من التعزيز والدعم فالنفس تتجه نحو قطبي الفشل والنجاح ونحو مؤشرات الخطأ والصحة ويظل صراعها مستمر في البقاء والثبات والخوف والأمان، لذا فإن ميزان السلوك مطلب أول واتزان النفس منطق مستمر وميزانية التعاملات رصيد منه نعيش وفيه نسمو وبه نعلو إلى مقام الحسنى التي أمر الله بها التي تجلب محبته وتظل شاهدة على مسيرتنا وذكرنا حتى بعد الرحيل.