أحمد المغلوث
صُدمت كما صُدم غيري عندما أعلنت رئاسة أمن الدولة أن الجهة المختصة رصدت نشاطًا منسقًا لمجموعة من الأشخاص؛ قاموا من خلاله بعمل منظَّم للتجاوز على الثوابت الدينية والوطنية، والتواصل المشبوه مع جهات خارجية فيما يدعم أنشطتهم، وتجنيد أشخاص يعملون بمواقع حكومية حساسة، وتقديم الدعم المالي للعناصر المعادية في الخارج بهدف النيل من أمن واستقرار المملكة.. إلخ. والشعور بالصدمة المؤلمة جاء كون هذه المجموعة البائسة واليائسة - وللأسف - تنعم بخير وأمن واستقرار الوطن، ومع هذا، ورغم هذا، نجدهم بكل وقاحة باعوا ضمائرهم ووطنيتهم وانتماءهم لهذه الأرض الطيبة إلى جهات خارجية حاقدة على الوطن ونجاحاته في مختلف المجالات. ومنذ كنا تلاميذ صغارًا كنا على علم بأهمية حب الوطن، والإخلاص له ولقيادته.. بل تعلمنا أن الأرض مثل العِرض؛ من الثوابت التي لا يمكن المساس بها، أو التقليل من شأنها، أو حتى الحديث عنها بسوء؛ فكانت كلمة «الخيانة» تعتبر من الأسماء والصفات المقيتة والكريهة والمحتقرة لمن يحملها أو يتصف بها.. فويله وسواد ليله من حمل هذه الصفة، وثبتت عليه ممارستها، سواء كان ذلك في تعامله مع الناس أو حتى مع أسرته، فكيف الحال عندما تحدث «الخيانة» ضد الوطن الحبيب؟! ومن هنا كانت «الخيانة» جريمة كبرى، نبه القرآن الكريم عنها، بل شدد على خطورتها من خلال حشد كبير من الآيات الكريمة.. قال سبحانه وتعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ} (58 الأنفال)، {وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ} (52 يوسف)، {عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ...} (58 الأنفال)، {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء} (58 الأنفال)، {وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُواْ اللّهَ مِن قَبْلُ} (71 الأنفال). كذلك بيَّن النبي - صلى الله عليه وسلم - فداحة هذا الجرم، وأن شؤمه يلاحق صاحبه في الدنيا والآخرة؛ فقال عليه الصلاة والسلام: «ما من ذنب أجدر أن يعجل الله تعالى لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخره له في الآخرة من قطيعة الرحم والخيانة والكذب». وكان من دعاء النبي عليه الصلاة والسلام: «أعوذ بك من الخيانة فإنها بئست البطانة». أي بئست الصفة والخصلة التي يتصف بها إنسان. فكل ذلك دليل واضح على أن من اتصف بالخيانة بات إنسانًا فاسدًا في الأرض؛ وبالتالي نحن أمام محصلة معقدة، هي وليدة عم الوفاء للوطن، وعدم الاهتمام بحفظ ما أنعم الله به على هذا الإنسان الخائن، لأمته ولأسرته ولقيادته، بل قبل هذا لدينه، دينه الذي وجَّهه من خلال ما تعلمه منذ الصغر من تعاليم ومبادئ وقيم.. جميعها رفسها بقدمه القذرة. ومنذ لحظة إعلان أسماء المجموعة الخائنة فهم - اللهم لا شماتة - يعيشون ركام الآلام والتعاسات، بل لقد سببوا لأسرهم المتاعب النفسية، وخصوصًا أن المجموعة على قدر كبير من الثقافة والمعرفة والوعي، بل بعضهم يحمل مؤهلات أكاديمية.. فكيف سمحوا لأنفسهم بالقيام بهذا العمل المشين من أجل أهداف ومقاصد خبيثة، تسيء للوطن بيتنا الكبير؟.. وهكذا نجد أن «ماهية الخيانة» في مختلف المجتمعات إنما هي شيء منبوذ، وتصرف غير محمود. وعندما نقول كلمة «الخيانة» فنحن نتحدث عن كلمة الخزي والعار، وقمة الاحتقار.. ولن أزيد..؟!