«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
من المأكولات التي تتوارثها الأجيال ومنذ قرون، بل منذ لحظات اكتشاف الإنسان طريقة إعداد هذا الطعام الشهي والسهل التحضير خبز «المسح» أو «الرقاق»، وله مسميات أخرى في مختلف الدول العربية والإسلامية. وكان في البدايات عندما لم يكتشف الحديد وطريقة الاستفادة منه. كان الإنسان البدائي يصنع خبزه داخل الرمل التي وضع تحتها كمية من الجمر وسبق أن كتبت هنا «إطلالة» عن خبز الجمر «الملة» ولكن ومع الأيام تعلّم الإنسان طريقة إعداد عجينة الرمل والطين وتحويله إلى ألواح صلصالية قوية بعد حرقها في النار عبر وضعها في جوف «طيني» أشبه ما يكون بالفرن أو الموقد.. ويوماً بعد يوم ومع مرور السنين استطاع الإنسان رجلاً أو امرأة وضع العجين بعد فرد على الألواح الطينية المحروقة والتي باتت قابلة لأن توضع على الجمر وبالتالي وعندما تسخّن تُفرد عليها عجينة الطحين. ومع ارتفاع الحرارة التي وصلت لهذه العجينة سرعان ما تنضج وتصبح جاهزة للأكل. وتطورت الحياة واستطاع من يعمل في الحدادة أن يصنع سطحاً رقيقاً نوعاً ما من الحديد والذي عُرف في بلاد العرب بلوح «الصاج» وكان يوضع في الماضي على ثلاثة أحجار صلبة لتتحمّل النار الذي يشتعل بجوارها ويوضع فوقها «الصاج» أو التاوة كما هو معروف لدى العامة وغير العامة. وحسب ما شاهدته وأنا صغير كانت الوالدة - رحمها الله- تفرد العجينة المكونة من الطحين والماء الدافئ والقليل من الملح بيدها على «التاوة» الدائرية ثم تضع عليها بعض المكونات التي ترغب الأسرة فيها كخليط البيض. ولكن كان في الغالب تكون خبزة المسح. بدون إضافات. وفي العقود الأخيرة توفرت في الأسواق أنواع مختلفة من التاوة الكهربائية وهي تقوم بنفس الدور الذي تقوم به «التاوة» العادية أو تاوة الجمر. وفي شهر رمضان المبارك تضاعف أهمية خبز المسح أو التاوة في مختلف البيوت في المملكة والخليج والدول العربية وذلك لكونه المكون الأساس في الطبق التراثي العريق والأصيل. «الثريد» والذي هو أكلة مشهورة منذ القدم والتي تتكون من هذا الخبز «المسح» الذي تتم عملية فته. تقطيعه إلى أجزاء صغيرة ثم يوضع داخل «مرقة» اللحم أو الدجاج ويعتبر «الثريد» هو الطبق الأفضل لنبينا محمد عليه أفضل الصلوات والتسليم، كما تشير إلى ذلك كتب التاريخ والتراث. وتجدر الإشارة إلى أن خبز «المسح» وعندما يكون ضمن مكونات طبق «المرق» يعتبر طبقاً متميزاً بمكوناته الغذائية لما يشتمل عليهمن فيتامينات وبروتينات ودهون. وإنتاج وإعداد خبز «المسح» بات تجارة مربحة طوال أيام العام رغم أن الطلب عليه يزداد خلال هذا الشهر المبارك.. فباتت المخابز الآلية تنتجه بصورة تجارية. مما سهل على ربات البيوت في المملكة والدول الأخرى الحصول عليه بيسر وسهولة. لكن يبقى لخبز «المسح» الذي يعد داخل البيت أو في البستان أو الاستراحة وبين أفراد الأسرة له طعمه ومذاقه خصوصاً عندما يعد مباشرة أمامهم. ويتم تناوله مقرمشاً مع الحليب أو الشاي أو حتى مع الجبن السائل. وكانت الأمهات أو الفتيات في البيوت يقمن بإعداد طبق شهي يقدم في الصباح «أيام الفطر» عبارة عن فتة خبز المسح مع حليب البقر أو الماعز الساخن مع قليل من السكر طبق أذكره جيداً يشبه إلى حد ما «الكورن فليكس» مع الحليب.. وأخيرًا هناك أطباق عديدة يستخدم فيها خبز المسح. لا تخفى على القراء الأعزاء..