د. جاسر الحربش
في العالم العربي توجد حكومات وتيارات سياسية انتهازية تراهن على استمرار الحكومة الإيرانية الحالية متحكمة بالشعب الإيراني، وأعتقد أن هذه الحكومات والتيارات غبية وسوف تدفع الثمن. كل متابع للمتغيّرات الإقليمية والدولية يعرف هذه الحكومات والتيارات ابتداءً من بعض مكونات مجلس التعاون الخليجي ومروراً بميليشيات العراق وسوريا ولبنان وانتهاءً بحكومة واحدة وبعض التيارات الهامشية في الشمال العربي الإفريقي واليمن.
لكن يوجد بالمقابل حكومات وتيارات خليجية وعربية تدرك النهايات الحتمية لأنظمة العنف والخرافة وتراهن على ما بعد زوال حكومة الملالي، أي أنها تراهن على الشعب الإيراني نفسه وعلى إيران الجغرافيا الجارة المهمة التي سوف تعود لوضعها الطبيعي بعد التخلص من اغتصاب المذهبية العدوانية. إيران ليست الخميني وخامنئي وقاسم سليماني والحرس الثوري، وهي في ذلك تختلف جذرياً عن إسرائيل الصهيونية التي هي بالضبط استمرار لبنجوريون وجولدامائير ومناحيم بيجن وإسحق شامير وأرييل شارون ونتنياهو وليبرمان وجيش الدفاع الإسرائيلي كما يسمي نفسه. إسرائيل منذ زرعها كمشروع استيطاني تجميعي تتجه بوضوح نحو المزيد من العنصرية والعنف سواءً كانت حكومتها ليكودية أو عمالية أو ائتلافية، وهي لا تقبل بتعريف حدود نهائية لها حتى الآن، وذلك ما يجب أن يفهم معناه العرب. استعمال ذخيرة لصيد الحيوان من عيار 7.2 ملم الأكبر حجماً وطولاً بالثلث من الذخيرة البشرية، ضد المتظاهرين على حدود غزة لإحداث أكبر قدر من التمزيق غير القابل للإصلاح في أجساد المصابين يحمل دلالة أكثر من كافية على احتقار البشر من غير اليهود.
المؤكد أن إيران القديمة، إيران ما قبل الخميني سوف تعود بأسرع مما يتصور البعض بعد أن يتغلب الإيرانيون على آلة القمع والتزوير الرهيبة، وبوادر ذلك بدأت بالذات في العراق المحتل الذي تعتبره حكومة الملالي جزءاً من الإمبراطورية الفارسية. هذا العراق العربي هو الذي سوف يسهل للمعارضة الإيرانية التخلص النهائي من خرافات الولي الفقيه وملاليه، وعلينا تذكّر المظاهرات الصاخبة المتكرّرة التي تجتاح إيران وتحتاج فقط إلى بعض المساعدة من الخارج. الشعوب الإيرانية بخلاف حكومتها شديدة التنوّع والعرقيات والمذاهب، وليست متعصبة لقومية بذاتها وكانت سنية المذهب قبل خمسة قرون فقط.
لا جدال حول كون الحكومة المذهبية في إيران وحرسها الثوري وميليشياتها المنتشرة في الجغرافيا العربية شديدة العنصرية والتوحش، ولكن حكومات المشروع الصهيوني المتعاقبة منذ سبعين عاماً وصولاً إلى نتنياهو وليبرمان ليست أقل توحشاً تجاه من تحتلهم وتعتبرهم أغياراً في مرتبة ما بين اليهود والحيوانات.
إن التركيبة السياسية والديموغرافية الإسرائيلية، بخلاف الإيرانية، متجانسة ومنسجمة مع مشروع حكوماتها ولا توجد ضدها معارضة حقوقية ذات ثقل سياسي وإعلامي خارج إسرائيل، بخلاف التركيبة السياسية والديموغرافية الإيرانية، فالحكومة الحالية مأزومة داخليا ًوتواجه معارضة واسعة ومؤثّرة في الخارج. ما أراه ماثلاً في المستقبل القريب هو أن رهان العقلاء على إيران ما بعد الملالي هو القرار الصحيح، وعلى الحمقى الآخرين المراهنين على استمرار الحكومة المذهبية مواجهة النتائج بعد انهيار رهانهم الهزيل .