عماد المديفر
مع عودة العقوبات الأمريكية على نظام الملالي في طهران - الداعم الأكبر للإرهاب في العالم - تزداد أوضاع عمائم الشر والظلام صعوبة، فالمظاهرات والمواجهات الشعبية ضد النظام الحاكم لا تزال مستمرة هناك، منذ ما يزيد على الأشهر الخمسة ، والعملة المحلية تواصل سقوطها الذريع، سقوطاً حراً - حيث وصل الدولار الأمريكي الواحد إلى 85 ألف ريال إيراني.. بعد أن كان قبل بضع سنوات فقط يساوي الـ 9 آلاف ريال - ، وبالتالي فالتضخم في البلد المنهك اقتصادياً؛ تزداد وطأته ضراوة، عدا عن حالة الجفاف غير المسبوقة رغم ما تتمتع به الأراضي الإيرانية من غنىً طبيعي وتاريخي في الموارد المائية، بيد أن حالة من الجدب والقحط أضحت ظاهرة جراء السياسات الزراعية وسياسات المياه والري، والتي تسببت في نضوب حقيقي للعديد من الموارد المائية الإيرانية، أو تآكلها، الأمر الذي أثر بشكل مباشر على قطاعي الزراعة والرعي، وهو ما تسبب أيضاً في خروج موجات أخرى من المظاهرات الشعبية التي تنتقد سياسات الملالي - وقد كتبت مقالة مفصلة حول ذلك قبل عدة أسابيع حملت عنوان (أزمة الموارد المائية في إيران.. هل تشعل النزاعات بين طهران ودول الجوار) ويمكن الرجوع إليها من خلال الموقع الالكتروني التفاعلي للجريدة على الإنترنت ، أو من خلال حساب الجزيرة على موقع التواصل الاجتماعي تويتر - ذلك عدا عن أن حلفاء هذا النظام الإجرامي من الجماعات والميليشيات بالمنطقة بدأوا بالتساقط واحداً تلو الآخر، والدول ذات العلاقات القوية به، بدأت هي الأخرى بمراجعة حساباتها.. فالأوضاع غير مستقرة، وتنبئ بتغيرات كبرى قريبة، قد يكون من نتائجها سقوط نظام الملالي نفسه، وتفككه من داخله، وتحرر الشعب الإيراني الشقيق من براثن هذا الوحش الهمجي الجاثم على صدره منذ العام 1979. هذا الشعب المسكين.. الذي واجه الأمرَّين جراء سياسات النظام الثوري الرجعي الظلامي الفاشل.
وبالتأكيد؛ ليس الأمر بهذه السهولة.. إذ لا تزال هناك العديد من أوراق المساومات، ونقاط مقاومة لا يزال هذا النظام يحتفظ بها، ويتنفس من خلالها، ومن ذلك مثلاً ما تمده به كل من (فرنسا وألمانيا وبريطانيا) من خلال إصرارها على المضي قدماً في الاتفاقية النووية، رغم انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية منها، وهو الأمر الذي يُعتقد أنه سيواجه بحزم من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في المنطقة، وعلى رأسهم الرباعية العربية الداعية لمكافحة الإرهاب، ومعها العديد من الدول العربية والإسلامية المتضررة عملياً من سياسات نظام الملالي المزعزعة للأمن والاستقرار، والداعمة لقوى الشر وعصابات الإرهاب، إذ ليس من المنطقي أن تنظر تلك الدول الأوربية الصديقة الثلاث بنظرة ضيقة، ومن زاوية محدودة لهذه الاتفاقية، وتتناسى جميع القيم والأخلاقيات، وتضرب بحقوق الإنسان، والحرب على الإرهاب، عرض الحائط، وتستمر في تعاملاتها مع هذا النظام الرجعي الديكتاتوري الساقط أخلاقياً وإنسانيا - وهي التي لطالما تغنت بالأخلاقيات وحقوق الإنسان - لتقدم مصالحها الاقتصادية الصغيرة نسبياً، على أمن، ليس دول المنطقة فحسب، بل والعالم أجمع.. فمن غير المقبول أن تقدم مصالح اقتصادية محدودة لهذه الدول على مصالحنا الوطنية العليا ثم نقابل ذلك دون ردة فعل مناسبة.
وفيما يحاول الثلاثي الأوربي ومعهم (أيتام إدارة أوباما) مقاومة تأثيرات قرار الرئيس ترمب العملي والجريء. ومن ذلك؛ ما تم كشفه من تحركات ولقاءات سرية تمت مؤخراً في باريس، قام بها وزير الخارجية الأمريكية الأسبق، الديمقراطي «جون كيري» - مهندس الاتفاقية النووية الإيرانية - مع عدد من الدبلوماسيين الإيرانيين - وغالباً ما يتستر رجال المخابرات الإيرانية وراء الصفة الدبلوماسية - تلك اللقاءات التي نشرت عنها مصادر إعلامية أمريكية بأنها كانت حصراً لنصح النظام الإيراني فيما يمكن له فعله من مناورات، وقد تساءل إعلاميون أمريكيون عما إن كان هذا العمل يعد تخابراً مع جهات عدوه، ويخترق القانون الأمريكي؟!. ومن ذلك أيضاً تسليط أبواق الدعاية الإعلامية الأوروبية للإساءة للرئيس الأمريكي وقراراته، ومن أمثلته ما نشرته مؤخراً مجلة دير شبيغل الألمانية من رسوم كاريكاتورية، ومن مقالات عدة، وكان من ضمنها تلك المقالة التي لوحت بانتهاء التحالف الأوروبي مع الولايات المتحدة! يقول كاتبها نصاً: «إن علاقة أوروبا بالولايات المتحدة الأمريكية حالياً لا يمكن أن تُسمى علاقة صداقة»! وهذه المقولة في الواقع لا تبتعد كثيرا عن تصريحات ميركل أنه «جاء الوقت لأوروبا بأن تعتمد على نفسها للدفاع عن نفسها»، ومن ذلك أيضاً ما كشفته تقارير إعلامية عما تسعى إليه عدد من الحكومات الأوربية لحماية شركاتها من العقوبات الأمريكية من خلال إنشاء مصرف أوروبي ووكالة مالية أوروبية للإشراف على المعاملات مع إيران، ليسيطر عليها اليورو تجنباً للدولار الأمريكي وللنظام المالي الأمريكي؛ بيد أن جميع ما ذُكر لا يعدو كونه «دعاية»، ولا أعتقد بحال من الأحوال أن يتحول لفعل على الأرض، باستثناء تلك المخابرات والمناقشات والمداولات مع نظام الملالي.. لكنه يكشف دون مواربة تلك الأمنيات التي يحملها قادة أوروبيون.
إنها بالفعل أقرب للأمنيات منها للحقيقة، فالأوروبيون هم الذين بحاجة لاستثمار واستمرار التحالف مع الولايات المتحدة أكثر من حاجة الأمريكان لذلك، هذا عدا عن أن الشركات الأوربية بدأت بالفعل بإجراءات الخروج من السوق الإيرانية، والتي دخلتها بالأساس بما يشبه التغرير بها من قبل حكوماتها! أما اليوم؛ فالبنوك والشركات الأوربية لم تعد تثق كثيراً بحكوماتها، ويهمها مصالحها مع الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها أكثر من أي شيء آخر، وهي لن تضحي وتغامر بكل ذلك لأجل السوق الإيرانية الناشئة، الصغيرة، وغير الآمنة.
إن قرار فخامة الرئيس «ترمب» بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني يشكل فعلياً على أرض الواقع دعماً حقيقياً للاستقرار الإقليمي، والسلام العالمي، ويسهم عملياً في وقف الانتشار النووي، وتجفيف منابع الإرهاب، كونه يذهب مباشرة لأصل المشكلة، ويعمل على معالجتها من جذورها، لا كما يفعل الاتفاق النووي المضلل المزعوم، والذي مَثَلُه كمن يعالج بالمسكنات من هو مصاب بداء خطير، الأمر الذي يسهم مع مرور الوقت بتفاقم الحالة، وازديادها سوءاً.. وليس كما تحاول الماكينة الدعائية في عدد من البلدان الأوربية، بالإضافة إلى آلة الديمقراطيين الدعائية، أن تروجه للرأي العام. لكن ما سيترتب من أحداث في قادم الأيام قد يفاجئ الجميع، وعلى رأسهم نظام الملالي نفسه.. والذي بدأ فعلياً بالترنح، وهو ما يظهر بجلاء من خلال تضارب التصريحات الخارجة من قياداته بين فينة وأخرى، وضياع الحسم في اتخاذ ردة الفعل المناسبة، منذ القرار الأمريكي الجريء والشجاع بعودة العقوبات، وحتى اليوم. وبداية السيل قطرة.
إلى اللقاء.