محمد آل الشيخ
محاولات الأوربيين تطمين إيران بتحقيق مصالحها، بعد خروج الولايات المتحدة من الاتفاقية النووية، هو في النهاية تطمينات ستفشل قطعًا، فالأوربيون يرتبطون مع الولايات المتحدة بعلاقات اقتصادية قوية، وذات أولوية، وهي كما تقول الأرقام أضعاف المصالح التي تربطها بإيران، إضافة إلى أن الشركات الأوربية الكبرى لن ترضخ لأي ضغوط من حكوماتها للتعاقدات التجارية مع الإيرانيين إذا كانت هذه التعاقدات ستستفز الأمريكيين، فضلاً عن أن أمريكا هي الدولة المسيطرة سيطرة تامة على المعاملات المالية الدولية، وليس في مقدور أي دولة، بما فيها دول الاتحاد الأوربي، التجديف عكس ما يفرضه الأمريكيون من قيود، هذه حقيقة يعرفها الجميع. لذلك فإن الأنباء التي تصدر عن دول الاتحاد الأوربي، بأن هناك طريقة يقوم من خلالها الأوربيون بحماية شركاتهم العاملة في إيران فيما لو لم يرضخوا للقيود الأمريكية، هو ضرب من كلام لا يدعمه الواقع على الأرض.
الرئيس ترامب في تقديري هو من أقوى الرؤساء الذين حكموا الولايات المتحدة بعد الرئيس ريجان، وهو كما تقول الوقائع يسعى فعلاً لا قولاً إلى إعادة هيبة وهيمنة أمريكا وقوتها، وكل المؤشرات تقول إنه سينجح، كما أن إدارته تتكون من مجموعة من الصقور، الذين لم يجتمعوا قط في إدارة سابقة، ولعل ضعف وخنوع وتردد سلفه الرئيس أوباما أعطاه تميزًا واضحًا عنه، فكما يقولون: وبضدها تتميز الأشياء، وهو بلا شك نقيض في كل تفاصيل سياساته وتوجهاته مع الرئيس أوباما، ويحقق من النجاحات قدرًا كبيرًا، يجعل المواطن الأمريكي يشعر فعلاً أن ترامب ليس رئيسًا فحسب، وإنما زعيم بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
وفي المقابل، إيران دولة تمارس كل الموبقات السياسية في منطقة الشرق الأوسط، وهذه المنطقة تعتبر منطقة حيوية ليس للولايات المتحدة فحسب، وإنما للغرب بشكل عام، والأوربيون رغم اختلافهم مع الولايات المتحدة في قرار انسحابه من الاتفاقية النووية، يتفقون مع الرئيس ترامب في نظرته لمثالب هذه الاتفاقية، التي أغفلتها الدول الست الكبرى، وتقر بأنها غير مكتملة، ما لم تعالج قضية الاتفاقية النووية بعد 2025، وقضية الصواريخ البالستية، إضافة إلى تمدد إيران في المنطقة العربية. وفي تقديري أنهم سيبقون نظريًا ضمن الاتفاقية، لكنهم سيسعون إلى الضغط على إيران لإدخال حلول لهذه القضايا الثلاث، وليس في يد إيران في النهاية إلا الرضوخ، وإلا فإن الحصار الأمريكي سيخنقها اقتصاديًا، بالشكل الذي يلغي شيئًا اسمه الجمهورية الإسلامية في نهاية المطاف. وفي رأيي أن الست الأشهر التي منحتها الحكومة الأمريكية للشركات العاملة في إيران لتسوية أوضاعها، هي من زاوية أخرى مهلة لإيران للتعامل العقلاني مع المأزق الذي وضعها فيه الرئيس ترامب، بعد انسحابه من الاتفاقية.
ومن يقرأ وضع إيران الحالي، فلن يجد أمامها من خيارات إلا الإذعان، فالأوراق جميعها في يد الولايات المتحدة، وكل المؤشرات التي تلوح في الأفق تؤكد أنها عازمة على تقليم أظافرها من خلال العقوبات الاقتصادية الخانقة، وقد بدأت هذه العقوبات بحصار أذرعتها في المنطقة، وهذه الأذرع سواء تلك الموجودة في لبنان أو سوريا أو العراق أو اليمن، إذا لم تجد تمويلاً ماليًا، ستضعف ثم تذبل وتموت، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار أن العقوبات الاقتصادية ستستنزف الاحتياطات الإيرانية، ما يجعل قدرتها على التحدي والصمود والمكابرة لن تطول كثيرًا، وبالتالي لن تستطيع الحفاظ على تمويل ميليشياتها وأعمالها العدائية في المنطقة العربية؛ وهذا في تقديري ما يخطط له الأمريكيون، ويعملون بجد على تنفيذه.
والسؤال: إلى متى سيصمد الإيرانيون؟.. لا أدري على وجه التحديد، أما الذي أنا متأكد منه، أنه ليس أمام إيران إلا خياران لا ثالث لهما، إما المكابرة ومن ثم السقوط الحتمي، أو الإذعان والنجاة.
إلى اللقاء