د. حمزة السالم
الزكاة ركن من أركان الإسلام الخمسة. وأركان الشيء تقوم بالشيء، الذي لا يقوم الشيء إلا به، على الحد الأدنى الضروري. وتحقيق حد الضرورة الأدنى، لا يعني تحقيق الكمال. فأركان البيت لا يقوم البيت بدونها، كما أن قيام أركان المنزل لا يعني، كمال المنزل وتمامه.
ويحوي بناء الدين في داخله عمل الآخرة، بما يتعلق بين العبد وربه. بينما يحوي بناء الدين الخارجي عمل الدنيا، بما يتعلق بين معاملات العباد بعضهم مع بعض.
وإن كانت أركان بناء المبنى، يفضل بعضها بعضا في الأهمية، ويلزم بعضها لما ليس له لازم، فكذلك هي أركان الإسلام. فالتوحيد هو الركن اللازم لأركان الإسلام، الذي إذا انهد، انهدت الأركان كلها بانهدام ركنها اللازم لقيامها، فانهدم معها الدين كله خارجه وداخله. والصلاة عمود أساس بناء الدين، فإذا انهد انهدم البناء ولو بقت أركانه قائمة ظاهرة بلا منفعة داخلية. والزكاة هي الركن الذي يرتكز عليه ظاهر بناء الدين، وتربط خارجه بداخله.
فإن كان الجانب العقائدي هو الغالب على جوهر التوحيد، فإن الزكاة هي الأكثر من بين أركان الإسلام التي تجمع الجانب العقائدي والجانب التعبدي والجانب المعاملاتي في اعتبار أحكامها. (وعند أهل القياس، أقول، إن من أظهر الدلائل والشواهد على جانبها التعاملي وقوع القياس فيها، بإدخال أموال لم ينص عليها الشارع في الزكاة).
ذاك لأن الإيمان بوجوب الزكاة هو من الجانب العقائدي، والرضا بإخراجها عن طيب خاطر هي من الجانب التعبدي، ومنفعتها وحقها للفقير والمحتاج وأثرها الاجتماعي هي من الجانب المعاملاتي. فلهذا أخذها الصديق غصبا -رضي الله عنه- من أهل الردة، فذاك تحقيقا للجانب المعاملاتي فيها، فإن طابوا بها نفسها، فقد حققوا واجبهم في الجانب التعدي، وإن جحدوا الزكاة بعد موت رسول الله عليه السلام، فلم يحققوا الجانب العقائدي منها، فينهد ركن التوحيد بجحودهم فينهد دينهم كله فتحبط أعمالهم.
والشاهد من كل ما سبق هو: بما أن الركن يغطي الضرورة لا الكمال، وبما أن الزكاة لها تعلق بجانب المعاملات، فإن هذا يعني أنها شُرعت لتقابل الحد الأدنى من الضرورة الذي يفي بحد الكفاف والحاجة للبؤساء والمحرومين في المجتمع الإسلام. ولكن لا يعني أنها تغطي حد الكمال الذي يختلف ويتغير من زمن إلى زمن.
وبما أن الركن لا يغطي الكمال، فلهذا شُرعت المكملات من سنن ورواتب وتطوع في الصلاة وسنن في الحج وتكراره، والصيام كذلك. وكذلك، جاءت الصدقات ودُعي إليها، فهي من كمال ركن الزكاة، واستطرادا، وكمال أركان الدين، كمالٌ لركن التوحيد، إضافة للذكر والتأمل والتفكر.
ولقد كان الاقتصاد في الزمن النبوي وما بعده لقرون طويلة، اقتصادا بسيطا قائما على الديناميكية الإقطاعية، فكانت الزكاة هي حد الكمال المناسب له. وأما اليوم، فالاقتصاد قائم على الديناميكية الصناعية فأصبحت الزكاة تكفي بحد الكفاف فيه. ورغم تغير ديناميكة الاقتصاد وحجمه وصعود مستوى الرفاه فيه، إلا أن الزكاة ما زالت كافية لتقوم بكثير من المهام التنظيمية للاقتصاد الحديث. فالزكاة إذا ما أنزلت تنزيلا صحيحا منضبطا على نصوص الوحي النص، بتطبيق صارم للأصول يعزل الهوى والتصورات السابقة، فالزكاة اليوم، في جانبها التعاملي، مجال واسع لتكون بديلا مكملا ومطورا ومبتكرا، لكثير من التطبيقات الاقتصادية القاصرة اليوم. ولنا في خليفة رسول الله قدوة ومثلا نحتذي به.