«الجزيرة» - محمد السنيد:
على مسافة دقائق من الحرم المكي الشريف، وتحديداً في حي النسيم بمكة المكرمة يتبلور نهج «الاستدامة» بشكل واقعي في مشروع متفرد على صعيد العمل الخيري المؤسسي في المملكة العربية السعودية.
إذ تحول موقع تصل مساحته إلى نحو 50 ألف متر مربع إلى ورشة عمل عملاقة، تضم مشروعاً نموذجياً على صعيد الاستثمار الخيري والاوقاف، اطلق عليه مشروع «خير مكة» ويستهدف تأمين استدامة منظومة برامج الرعاية والتأهيل المجانية التى تقدمها عشرة مراكز خيرية تابعة لجمعية الأطفال المعوقين منتشرة في العديد من مناطق ومدن المملكة، وتحتضن نحو أربعة آلاف طفل وطفلة سنوياً.
وبمباركة ورعاية ودعم من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله- انطلق هذا المشروع متضمناً خمس مراحل، الأولى منه سيتم افتتاحها العام المقبل، وتضم بنايتين شرفت الأولى بحمل اسم صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز -يرحمه الله- والثانية بحمل اسم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -يحفظه الله-، وهما برجان لفندقين تجاريين بمواصفات 4 نجوم، بارتفاع 17 طابقاً، إلى جانب طابقين ميزانيين، ويقاما على مساحة مشتركة قدرها 5700 م2، وتصل تكلفتهما إلى نحو 180 مليون ريال.
وقد أعلن صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز، رئيس مجلس إدارة جمعية الأطفال المعوقين مؤخراً أنه تم إنجاز نحو 70 % من الأعمال الإنشائية في تلك المرحلة، وسيتم تسلمها في منتصف العام المقبل. واعتبر سموه المشروع خطوة مميزة لتوفير مصدر دعم دائم لنفقات تشغيل مراكزها وما تقدمه من خدمات مجانية متخصصة لنحو 4000 طفل سنوياً، خاصة في ظل التنامي الملحوظ في ميزانيتها التشغيلية السنوية التي وصلت إلى نحو 120 مليون ريال.
وخلال الأيام المقبلة تحتفي الجمعية بوضع حجر الأساس للمرحلة الثانية من المشروع، وتشمل الوقف الخيري لجائزة الأمير سلطان بن سلمان لحفظ القرآن الكريم للأطفال المعوقين، وهو عبارة عن مبنى سكني تجاري، يقام على مساحة 2.030 متر مربع، ويتكون من طابق بدروم وطابق أرضي وأربعة طوابق متكررة وملحق علوي، إلى جانب القسم التجاري، وهو عبارة عن محلات تجارية، وتصل تكلفة الوقف إلى 20 مليون ريال.
وقد شرعت الشركة المنفذة في الأعمال الإنشائية للمشروع بعد توقيع عقد الإسناد مؤخراً. ويأتي هذا الوقف تلبية لخطط توسع جائزة حفظ القرآن الكريم للأطفال المعوقين، وتنظيمها على المستوى الدولي بعد النجاح المميز الذي حققته على المستوى الخليجي، ولضمان استمراريتها، حيث أوصت الأمانة العامة لها بإنشاء وقف خيري استثماري بمكة المكرمة يخصص دخله لدعم مصروفات الجائزة، التي تقام سنوياً منذ عام 1417هـ، وتبناها سمو رئيس مجلس إدارة جمعية الأطفال المعوقين، ويشارك فيها أطفال من ذوي الإعاقة من كل مناطق المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي، وحظيت بتفاعل مميز من أكثر من 2300 طفل وطفلة.
أما المرحلة الثالثة من مشروع «خير مكة» فهي تضم برج «عملاء بندة الاستثماري الخيري» وتبلغ تكلفة انشاءه نحو 70 مليون ريال، بما فيها تكلفة الإشراف على التنفيذ، ويقام على مساحة تصل إلى 2500 متر مربع، وهو عبارة عن مبنى إداري مكتبي تجاري بارتفاع 14 طابقاً، وتم تصميمه وفقاً لأرقى المعايير الإنشائية حيث يتضمن كافة التسهيلات والتقنيات المطلوبة في المباني الذكية، إلى جانب الخدمات المساندة.
ويمثل هذا المشروع نموذجاً لبرامج المسؤولية الاجتماعية التي تتبناها الشركات الوطنية الرائدة للإسهام في التنمية المجتمعية حيث اتفقت جمعية الأطفال المعوقين وشركة العزيزية بندة المتحدة على تخصيص إيرادات برنامج «دع الباقي لهم» لإنشاء مشروع خيري استثماري يوجه لدعم نفقات تشغيل مراكز الجمعية وما تقدمه من خدمات مجانية للآلاف من الأطفال المعوقين. حيث تم الاتفاق على أن تؤمن الجمعية قطعة من أراضي مشروع «خير مكة»، وتتبني أسواق العزيزة بندة من جهتها برنامج «دع الباقي لهم»، ويتضمن دعوة متسوقيها للمساهمة في إنشاء المشروع الخيري الاستثماري من خلال تبرعهم بما تبقى من هلالات أو ريالات من قيمة مشترياتهم في الأسواق، وعلى أن يطلق على المشروع (مشروع عملاء بندة الاستثماري الخيري)، وهو عبارة عن برج إداري تجاري يضم أيضاً مطاعم ومركزاً ترفيهياً ومواقف سيارات، وتبلغ المساحة المتاحة للتأجير فيه 18 ألف متر مربع، ويؤدي وظائف إدارية وثقافية وترفيهية، إذ تتوفر فيه إلى جانب المكاتب الإدارية قاعات اجتماعات ومعارض تجارية، ومناطق للعروض الثقافية، إضافة إلى منطقة المطاعم والترفية.
أما المرحلة الرابعة من المشروع التاريخي، فهي تضم مشروع «عملاء شركة الاتصالات السعودي الاستثماري الخيري»، ومشروع استثماري خيري يقام على مساحة 2500 متر مربع، وهو عبارة عن برج سكني تجاري بارتفاع 17 طابقاً، وميزانين وقبو لمواقف السيارات بتكلفة تصل إلى 75 مليون ريال.
هذا وقد بادرت شركة الاتصالات السعودية بتبني برنامج تدعو فيه عملاءها لدعم الجمعية من خلال رسائل الهاتف الجوال، وتم الاتفاق على أن تخصص إيرادات ذلك البرنامج لإنشاء مشروع استثماري خيري يخصص دخله لدعم ميزانية تشغيل مراكز الجمعية.
وأقرت اللجنتان الهندسية والاستثمارية بالجمعية التصميمات المعمارية التي أعدها أحد المكاتب الاستشارية الوطنية وتم بحمد الله استصدار تراخيص مباني المشروع، وكذلك تم اعتماد آلية تمويل المشروع، وجارٍ الإعداد لدعوة الشركات الإنشائية لتقديم عطاءات التنفيذ.
ويجري العمل الآن في المرحلة الخامسة من المشروع وهي تضم، مشروع «عملاء موبايلي الاستثماري الخيري» حيث تبنت موبايلي مبادرة لدعم الخدمات الخيرية التي تقدمها الجمعية من خلال دعوة عملاء الشركة للإسهام في مشروع استثماري خيري تقيمه الجمعية بمكة المكرمة. ويشمل إنشاء ستة مبانٍ سكنية تخصص إيراداتها لدعم ميزانية تشغيل مراكز الجمعية.
وفي هذا السياق وصف الأمير سلطان بن سلمان التحول الذي تبنته جمعية الأطفال المعوقين لإبرام اتفاقيات طويلة المدى مع المنشآت التجارية والاقتصادية الوطنية بأنه «يعكس دور مؤسسات العمل الخيري في بلادنا، وما تتميز به من منهجية عمل علمية رصينة، وانتشار واسع في أرجاء الوطن، وتواكب ما تطبقه بلادنا من رؤية تنموية طموحة، تستهدف خير الإنسان في المقام الأول».