«الجزيرة» - المحليات:
استضافت غرفة الرياض -ممثلة بلجنة التسويق- صاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل في أمسية حضرها جمع من أصحاب السمو والمعالي والسعادة، ومن رجال الأعمال البارزين، وعدد كبير من الشباب من الجنسين. وتناولت الأمسية التي أدارها عضو مجلس الشورى الدكتور عبدالله الفوزان رؤية سموه حول مفهوم تسويق الأوطان.
وقال رئيس الغرفة المهندس أحمد الراجحي إن الأمير تركي الفيصل شخصية استثنائية، لعبت دورًا محوريًّا في تجسيد مصطلح ومفهوم تسويق الأوطان من خلال موقعه في رئاسة الاستخبارات العامة أو وزارة الخارجية أو باتصالاته الواسعة حول العالم بحكم المهام المعقدة التي كان يتصدرها. مشيرًا إلى أن هذه الأمسية بموضوعها وبمكانة من يتحدث فيها تعتبر إضافة نوعية متميزة على ما ظلت تقدمه لجنة التسويق بالغرفة.
وتحدّث رئيس اللجنة الدكتور سلطان الثعلي مرحبًا بالضيف الكبير والحضور، مجددًا التشديد على أهمية مفهوم تسويق الأوطان في عالم أصبح قرية واحدة، بل أداة صغيرة محمولة على أطراف الأصابع.
وشرح الأمير تركي الفيصل مفهوم تسويق الأوطان بقوله: «إن أول مبدأ يقوم عليه مفهوم تسويق الأوطان هو أن يكون الوطن مستتبًا ومتلائمًا وواثقًا بنفسه؛ فيسهل حينئذ أن يتم التخاطب مع الآخرين، والتعامل معهم على المستويات كافة، الرسمية والشعبية. وهذا الأمر لا يرجع فقط إلى القيادة الرشيدة فحسب وإنما إلى تلاحم الشعب مع القيادة، كل فيما يستطيع أن يقدمه لوطنه. والأمر الثاني يتمثل في حُسن التدبير فيما يتصور كل فرد أنه يستطيع أن يقدمه في ترويج محاسن الوطن للعالم.
وأضاف: دعوني أعود بكم في لمحة تاريخية إلى ما قام به المؤسس المغفور له الملك عبدالعزيز بالتوجيه بأن يتواصلوا مع الآخرين؛ إذ إن أول بيان صادر عن الحكومة، وكانت لا تزال سلطنة نجد وملحقاتها، أعتقد في 1340هـ، باسم الأمير فيصل بن عبدالعزيز بتكليف من الملك عبدالعزيز -رحمهما الله-. وهو بيان يوضح موقف السلطنة من الأمور الشائكة في ذلك الوقت، خاصة في العلاقات مع مملكة الحجاز التي كانت قائمة في ذلك الوقت، ولها مروجوها ومتابعوها في شتى أنحاء العالم الإسلامي. وصدر البيان وتم توزيعه في الدول التي كانت بها أنشطة صحفية، مثل مصر والشام، وغيرهما.
إذن، بداية التواصل مع الآخرين كانت على يد الملك عبدالعزيز، كما تواصل مع آخرين بكثرة في العالمين العربي والإسلامي بعقد مؤتمر مكة المكرمة بعد أن أصبحت مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها، وبدعوة وفود من العالم الإسلامي التي لم تكن أغلب دولها مستقلة في ذلك الوقت. وجاءت الوفود للنظر فيما يلم بالأمة الإسلامية من تحديات وتطلعات ومصالح مشتركة.
وكانت تلك أولى خطوات الملك عبدالعزيز مع بداية انطلاق ملحمة التوحيد التي تزعمها في ذلك الحين.
وانتقل بعد ذلك في العام 94هـ، أي بعد حرب رمضان مباشرة. والكثير يذكر أن المملكة قد واجهت في تلك المرحلة، خاصة في المجال الإعلامي، هجمة شرسة نتيجة للموقف الذي اتخذته من تلك الحرب، وهو حظر البترول عن الدول التي ساندت إسرائيل، وعلى رأسها الولايات المتحدة.
وتم تشكيل وفد في ذلك الوقت من رجال الأعمال والأكاديميين والسياسيين ومواطنين عاديين؛ ليطوفوا على الولايات المتحدة وأوروبا واليابان وغيرها؛ وذلك لشرح مواقف المملكة، والتشديد على أن قضيتنا عادلة.
وكان ذلك الوفد بمنزلة باكورة للعمل الجماعي والعمل التسويقي - إن صح التعبير -. وتبع ذلك وفود مختلفة من الرسميين ومن المواطنين على مستويات مختلفة، وأصحاب الفكر والرأي، ومن النساء. وتتبادر إلى ذهني في هذا الإطار محطات عدة، لعل من أبرزها ما تم في حرب تحرير الكويت؛ إذ شُكلت وفود جابت أنحاء العالم لشرح مواقف المملكة، وكانت من أنجح العمليات الجماعية التي حققت نتائج ملموسة.
وأعتقد أن من أنجح المهام التسويقية في أي عصر من العصور التي تمت في هذا الإطار المهمة التي جسدتها الزيارات التي رأسها في ذلك الوقت سمو أمير منطقة الرياض في معارض الرياض بين الأمس واليوم، وكان لها مردود كبير جدًّا في كل الدول التي زارها المعرض. وكلنا يعلم أن الملك سلمان - حفظه الله - معروف بأريحيته وقدرته على إدارة الأمور، والتواصل مع الجميع على أي مستوى كان، سواء الحكومي أو الشعبي.
وعلى هذا النسق ننظر إلى الزيارات التي قام بها مؤخرًا سمو الأمير محمد بن سلمان ولي العهد لدول عدة، منها مصر والمملكة المتحدة ثم الولايات المتحدة وفرنسا، وردود الفعل التي شاهدناها، سواء على الصحافة، أو مما كان يردنا من الأصدقاء والمعارف في تلك الدول, وكانت كلها مبهرة جدًّا ومشجعة. ونحمد الله أن هذا المجهود قد أتى في وقته لوجود حملة أخرى شرسة ضد المملكة، تزعمها توجهات عالمية عدة، كانت دائمًا تكنُّ العداء لبلادنا.
من ناحية أخرى، تجسد العداء للمملكة من الفكر اليميني المتطرف. وهذه من مناقضات الأمور في أن يجتمع اليمين واليسار في العداء للمملكة، والتنديد بها، ومعارضة توجهاتها. كذلك التيار الصهيوني؛ فالمملكة مستهدفة من قِبل الصهاينة منذ تأسيسها، وقبل أن تنشأ إسرائيل. ومسار آخر أضيفه إلى موضوع الصهيونية، يتمثل فيما نشاهده اليوم من العداوة التي تقودها إيران، خاصة من المذهب الخميني الذي أُدخل بدعًا في المذهب الشيعي بترويجه ما يسمى ولاية الفقيه، وهي كانت - ولا تزال - مرفوضة من أغلب أئمة المذهب الشيعي حتى في إيران. جميع هذه الجهات ناصبت المملكة العداء لم يكن أمامنا سوى مواجهتها وهزيمتها. والطريقة الوحيدة لمواجهتها هي العمل بصورة جماعية. ونشاهد ذلك من خلال انفتاح المملكة على الصحافة العالمية. ومن الأفضل السماح لهذه الأصوات أو الأقلام أن تأتي، ويتم إتاحة الفرص للاطلاع على ما يجري في المملكة من الداخل؛ ليعبروا عن مشاهداتهم بأنفسهم حينما يعودون إلى بلدانهم.
وحول ما يمكن أن نسوقه إلى الآخرين مما يتوافر لدينا في المملكة قال سموه: أعتقد أن لدينا أشياء كثيرة - والحمد لله - منها ديننا الإسلامي؛ والدليل على ذلك سرعة انتشار الدين الإسلامي في العالم من شرق آسيا وغرب أوروبا والولايات المتحدة. وليس لنا فخر بأن نقول إننا نخدم هذا الدين؛ فهذا مبدؤنا، وواجب علينا أن نلتزم به، ونقوم بواجباته على أكمل وجه - بإذن الله -. وعلينا أن نكون صادقين، ولا نروج له بطريقة تضر الآخرين.
ونأتي الآن إلى موضوع عزيز على نفسي، هو المتعلق بالمنح الدراسية في الخارج. وأعتقد أنه من أفضل الوسائل التي نعتمد عليها في الترويج بالخارج في كل دول العالم. وحسب ما بلغني فنحن لدينا الآن أكثر من 200 ألف سعودي وسعودية يدرسون في الخارج، يتمازجون مع العالم فكريًّا ومعرفيًّا وسلوكيًّا؛ وهو ما يُسهم في الترويج للمملكة.
وعما إذا كان يرى سموه أن المجهود يجب أن لا يكون فقط حكوميًّا دائمًا؛ بل يشارك فيه الجميع بحسب قدراتهم وطاقاتهم، قال سموه: بدون شك، وأعتقد أن ما تقوم به الغرف التجارية أيضًا مجهود محمود. وبيننا الليلة عبدالرحمن الجريسي الذي له إسهامات في هذا المجال مع اللجان المختلفة التي شُكلت في هذا المجال من زيارات وجولات للتعريف بالسلع التجارية الوطنية وفتح الأسواق والأعمال التي أدت دورها في الماضي، وستؤدي دورها الآن أكثر مع النشاط النابع من رؤية 2030 التي تمثل الديناميكية المحركة للاقتصاد السعودي في المرحلة القادمة. وكذلك الدكتور عبدالرحمن الزامل الذي تواصل كثيرًا معنا في إطار تعزيز صورة المملكة خارجيًّا عبر العديد من البرامج والمقترحات.
وعن استثمار وجود الآثار التاريخية في المملكة قال سموه: مما أشاهده أجد أن هناك نشاطًا بالغًا في إعادة تأهيل هذه الآثار. نعم، هناك نقص في البنية التحتية، لكن كلها في طور الإنشاء الآن. وهيئة السياحة لم يدم عليها أكثر من 15 سنة في هذا المجال. وكما شاهدنا من اهتمام خادم الحرمين الشريفين بترميم الدرعية، وتفضله بتشريف تدشين حي البجيري بالدرعية، ثم ما صدر من توجيه بترميم منطقة العلا.. فأعتقد أنه ستتبع ذلك هيئات لترميم مناطق ما زالت في طور الاستكشاف من قِبل هيئة السياحة والجامعات المحلية والأجنبية التي تُسهم معنا في هذا المجال؛ فالمستقبل واعد في هذا الميدان بإذن الله.
وحول مشروعَي نيوم والقدية قال سموه: كل شيء تنفذه المملكة يُعتبر جزءًا من الجذب. ومن أكثر الميادين المهمة -في نظري- هو تسهيل المجيء إلى المملكة بالتأشيرات. وحسب متابعاتنا، نسمع أن هناك توجهًا لمنح تأشيرات تسمح للزائرين بأن يأتوا للمملكة. وهذا وقتها في تقديري.
وكشف سموه عن مشروع مركز الملك فيصل لدعوة طلبة من دول العالم وجامعاتها لزيارة المملكة لفترة محدودة (10 أيام)، والاطلاع على معالمها وآثارها، والتعرف على المجتمع، وتهيئة السبل للتعامل معهم على كل مستوى.. وشرعنا الآن في تنفيذ الفكرة، وقبل نحو شهر كان معنا طلاب من جامعة هارفارد، وفي المستقبل أيضًا لدينا برنامج للتواصل مع جامعات في أوروبا وآسيا وغيرهما.
لكن هذا المجهود يحتاج إلى دعم من رجال الأعمال للإسهام بما يجودون به حسب استطاعة كل فرد منهم. وإذا بذل كل رجل أعمال ما لا يزيد على مائة ألف ريال فسيكفينا لسنوات قادمة عدة -إن شاء الله-. ومشروعنا قائم لكي يستمر, وكل وفد يضم من 15 إلى 20 طالبًا؛ ليكون لدينا نحو 20 وفدًا في السنة بنحو 200 طالب كل عام.
وحول فكرة جدوى لقيام جهاز متخصص لتسويق الوطن قال سموه: أعتقد أن الأجهزة موجودة، وإنشاء جهاز جديد سيزيد من الأوعية البيروقراطية في البلاد. مثلاً وزارة الثقافة والإعلام لديها أجهزة ذات كفاءة للقيام بهذا الدور، وكذلك هيئة السياحة والآثار لديها أجهزة وأنشطة واعدة بقيادة سمو الأمير سلطان بن سلمان، ويقومون بدور مقدَّر.. بل يهتم خادم الحرمين الشريفين -سلمه الله- بهذا الأمر، وكذلك سمو ولي العهد يقوم بأعمال بارزة في إعلاء صورة المملكة ومحتواها الثقافي وإرثها التاريخي.. كل هذا دليل على وجود أجهزة كافية لتحريك هذا الدور. أيضًا مجلس الشؤون الاقتصادية عليه ضلع مهم، يقوم به في المفهوم التسويقي، وتأتي إليه الأمور، ويدرسها بكفاءة عالية، ويتخذ القرارات المناسبة؛ لأن جميع الأجهزة الحكومية ممثلة فيه. فعلى سبيل المثال: مشروع القدية تحدث عنه الملك سلمان قبل نحو 30 سنة، وتم حجز المكان وتسويره وتشبيكه منذ ذلك الوقت، وعندما آن الأوان لقيامه، وتوافر العزم والقدرة، بدأ العمل فيه؛ لذلك لا أعتقد أننا بحاجة إلى إضافة طبقة بيروقراطية جديدة إلى ما هو موجود وقائم أصلاً. ومن خبرتي في الاستخبارات العامة، وبوصفي سفيرًا، أعتقد أن أكبر مكبل للأعمال والأفكار هو البيروقراطية.