د. محمد عبدالله العوين
انتدبتني إذاعة الرياض صيف عام 1408هـ في مهمة عمل إلى القاهرة؛ لحضور معرض الكتاب الدولي 24 والالتقاء بنخبة مميزة من الأدباء والكتاب ونجوم الفن في مصر.
وخلال عشرة أيام وبجهد مضاعف وترتيب دقيق للوقت استطعت أن أجري لقاءات عدة مع أبرز الأسماء اللامعة، واستأجرت سيارة خاصة ترافقني طوال اليوم، ولم يكن يغيب عن السائق مكان أي ضيف من الضيوف مهما كان الموقع ملتبساً أو غامضاً، فمتى ما انتهت مهمتي من التدوين المفصّل للمنزل أو للمكتب يأتي دور السائق الذي يلقي نظرة سريعة على الورقة أو يستمع مني الوصف وأنا أقرؤه متقطعاً متوقفاً عند بعض أسماء الشوارع وكأني طالب مرحلة ابتدائية إلا ويوقفني بكلمة واحدة فقط «واضح».
ومن أبرز من سعدت بلقائهم يحيى حقي، ثروت أباظة، لويس عوض، لطفي الخولي، زكي نجيب محمود، عبد الله غيث، سامي خشبة، حسين مؤنس، عامر العقاد، مهدي علام، نبيل راغب، فتحي غانم، عبد الحميد يونس، سمير سرحان، سعد الدين وهبة، يوسف شاهين، عز الدين إسماعيل، جمال الغيطاني، فاروق خورشيد، شكري عياد، عبد القادر القط، محمد رجب البيومي، أحمد هيكل، صنع الله إبراهيم، يوسف إدريس، جابر عصفور، رجاء النقاش، وغيرهم.
وربما تتسنى لي فرصة للحديث عن أجواء تلك اللقاءات وما لم يقل في الأحاديث الرسمية وما رسخ في ذاكرتي من انطباعات ذاتية عن بعضهم.
زرت معرض الكتاب في القاهرة لأول مرة في تلك السنة وانبهرت من اتساع المكان وكثرة عدد دور النشر المشاركة، وتنوّع المحاضرات والندوات التي كان منها على سبيل المثال تلك المجادلة الساخنة بين الشيخ محمد الغزالي وفرج فودة، وأمسية شعرية تكرّر التنويه عنها للشاعر نزار قباني.
كانت اللافتات المنصوبة للأمسية الشعرية في مدخل المعرض وأمام سرادقات المحاضرات تتزيَّن بصورة كبيرة للشاعر وتحدد وقت الأمسية بأنها ستُقام ليلاً، ويشي تعدد اللوحات الدعائية عن المناسبة بأن إدارة المعرض تولي الشاعر اهتماماً غير عادي وتتوقّع بأن الحضور سيكون كبيراً بما قد لا يتسع لهم المكان.
كان اسم نزار قيمة شعرية وثقافية طبعت مرحلة سياسية مرتبكة طويلة من الزمن العربي من أواسط الأربعينيات الميلادية من القرن الماضي إلى أن توفي عام 1998م ولا يكاد مثقف أو متثاقف أو أديب أو متأدب يزعم أنه محسوب على الثقافة أو الأدب إلا ويحفظ عناوين دواوينه أو قصائده؛ إن لم يستشهد بشيء من شعره!
وكانت عناوين قصائده أو مسميات دواوينه ممنوعة من التداول سياسياً وخادشة للحياء أخلاقياً، وكان من يدعي التحرّر أو يتظاهر بالقومية يجد في شعره تنفيساً من إحباط واقع عربي مر من «الرسم بالكلمات» و»طفولة نهد» وقالت لي السمراء» إلى «متى يعلنون وفاة العرب».. يتبع