لطالما كان الشعر تجربة لا يمكن التغافل عنها، الشعر هو الذي يجعلنا نتحمل مادية العالم، يجعلنا أكثر قرباً من الإنسان الذي ننساه أحياناً أو غالباً. في ديوان ما نسيته الحمامة، الديوان الذي بدأ باعتذار صريح على هيئة سؤال، كيف تطالبينني أن أراكِ من زاوية أخرى، أيتها الدائرة؟
إنه السؤال الذي يفتح باباً على تعدد وجهات النظر، على الرؤية بطريقة البانوراما الفجة في التعبير، بطريقة الذي لا يمتلك أي زاوية يشعر فيها بالأمان. تعددت القصائد والوقفات الشعرية، تعددت الدروب والصلوات:
...................
هنا فقط كم يظهر تأثير درويش في الشعر، لأكثر من التقاطة شعرت بأن درويش خلف السطور، يطل من بعيد أو من قريب، لا فرق. فقلما تجد قصيدة خاليةً من روح درويش.
محمد يكتب الشعر بطريقة من يسعى إلى الصراحة، لكن هل هذا فعلاً مجدي، هل فعلاً تكتمل القصيدة في قلب الشاعر، ولا تكتمل على الورق؟ ساءني جداً أن أرى بعض القصائد غير ناضجة، رغم أنها بدأت بقوة وبطلاقة الذي يبحث عن طلل حبيبته التائهة، لكني أعلم أنها تجربةٌ قديمة، لم تعد تشبه محمد الآن.
أحببت قصائد كثيرة وبعضها لم يتآلف معي أو أنا الذي لم أتآلف معها، أحببت قصيدة اسمها : الناس، لأنها انتهت بأولئك الذين لا أعرفهم، أولئك المملون الذي لا أحبهم.
وأما في قصيدة صاحبي
يقول محمد:
الحياة التي تشتهيها غداً
وغداً كذبة
لا نفنّدها، كي نعيش..
اطمئن، فلست بأول من خسروا لعبة العيش يا صاحبي..
ولم يتفوق على جبروت السياق أحد.
ويقول في قصيدة فن :
ارسم للوجه عينين..
اللوحة أتعبها العمى!
وغيرها وغيرها من القصائد.
الديوان رحلة العائد إلى نفسه، أو ربما من يحاول أن يعود إلى نفسه، وهذا ما خُتم به الديوان:
أين بوابة هذا العالم؟ أريد أن أخرج.
وفي الديوان الذي يليه، سار محمد التركي شاعراً بقربه من الأغنيات، أخذ الشعر إلى بعده الخاص، عالمه الخاص، عالمه الممزوج بالقصيدة واللحن، فهل هي الأغاني التي بيننا، أم أنها الأغاني التي فينا؟
يتساءل محمد:
ما الذي يمكن أن تفعله بنصف أغنية، وهاوية من الاحتمالات ؟
لا يمكنك أن تتوقف بين قصائد الديوان لتأخذ جرعة من فنجان قهوتك الذي ينتظر على رف المكتب، فالقصائد ستأخذك إلى المقهى الخاص بها والذي يتردد عليه محبو القهوة والمقاهي ولن تكون بحاجة إليه، الذين ينتظرون أُناساً قرروا أن لا يأتوا على الموعد، وأولئك الذين لم تعد تسعهم الذاكرة بعد الآن، الطاولات، الكراسي، الصمت، وطريقة الكلام العالقة في الحنجرة ! .. أي صدفةٍ هذه التي تأخذك من نفسك، إلى المجاز الذي ينام على الورق، ويستيقظ في منتصف قلبك ؟
يقول محمد :
دعونا نتحدث فأنا نسيت صوتي
وأتظاهر أحياناً بأنني أعرفه
وأذكر تحت أي حبل صوت نشرته
لنتحدث قبل أن يجفّ الكلام فيه .
أين الذين يقولون مساء وصباح الخير ؟
هل غابوا أم غابت أوقات الخير والنور
وماذا حدث للذين يؤمنون بقضايا العرب
لم نعد نسمعهم يجادلونا* حول أحقيتنا أن نحيا كبشر
ونطالب بحقنا في الهواء والطريق ..
والتعبير ...
لقد نسيت التعبير
وفي كل نبضة مني
موسى يقول احلل عقدة من لساني .
** **
- أحمد صالح