محمد عبد الرزاق القشعمي
أعتقد أن أول قصيدة قيلت في هذا اللون من الشعر هي قصيدة (مع الورقاء) التي وردت في كتاب (خواطر مصرحة) في طبعته الأولى للأستاذ محمد حسن عواد عام 1345هـ / 1926م وقدم لها بقوله: «هذه القصيدة هي إحدى المساجلات الأدبية التي دارت بيني وبين الأديب عمر أفندي عرب في سنة 1342هـ وكان الغرض منها ترويج الأساليب العصرية في الأدب الحجازي، وكانت هذه أول دفعة قدمتها إليه فأرسل لمحاكاتها قصيدة (قلب المحب) مع رسالة جاء فيها: «وأرجو مواصلة ذلك حتى نقطع حلقة الرهان فائزين» «عمر عرب».
غانية الأيك - سقاك السحاب -
نوحي معي قد راقني الانتحاب!
وحركي المغرم في وجده
فالحب أضناه
يا سلوة العاشق يا ذات (آه)!
يا كهرباء الوجد واحسرتاه!
فؤادي العاني على وقده
شدوك أشجاه
بعيشك الغض بظل الأراك!
من ذا الذي بالرغم أضنى قواك!؟
أشادن أسرف في صده
قلبك يهواه؟
فكري المعنّى وفؤادي الكليم
لم يسمحا لي بأنيق النظيم
أو وحي معناه
ونقفز للمقطع الثالث والأخير فنجده يقول:
يا طائر الشعر! ألا موطني
يرسف في الآلام مما عني
أبناؤه تخرب في مجده
ما كان أشقاه!
يا وطني، يا وطن الخالدين!
ويا أباً عق بأيدي البنين
وأيها الهاوي إلى حده
في ذمة الله!
فجاوبه محمد عمر عرب بقصيدة (قلب المحب):
يا بلبل الروضة حي الصباح
مقبلا عني ثغور الاقاح
واصدح فاني موله مولع
تيمه الحب!
واعزف فاني قد دهتني الشجون
ومضنى الوجد ولا من معين
فبت دامي القلب لا أهجع
وعقني الصحب!
أساهر النجم وأهمي الدموع
وأذكر الحب بقلب هلوع
وقد تناءى الحب والمربع
واقلع الركب!
فصرت من وجد حليف الشجن
وبت من شوق أليف الحزن
وشفني السقم ولا مطمع
وهكذا الصب!
يا ظبيتي رفقاً بقلبي الكليم
عيناك أصمت مهجتي في الصميم
فاحني عليه انه موجع
قد مضه الخطب!
يا ربة القرط وذات السوار
أنت حياتي ليس عنك اصطبار
وعن هواك قط لا أقلع
لو مسني الكرب!
بحسنك البالغ حد الكمال
وقدك المائس ذي الاعتدال
إني لغير الحب لا أخضع
لو خرت الشهب!
حسبك دلا، أنني في عذاب
ومهجتي أودت فيا للمصاب
مُني بوصلي قبلما أصرع
ويسبق العضب!
يذكر علي جواد الطاهر في (معجم المطبوعات العربية) أن رشاد سروجي قد ألف كتاب (الشجرة ذات السياج الشوكي) جمع فيه ما كتب وقيل عن الشاعر عمر عرب إثر وفاته عام 1375هـ / 1955م وما جمعه من شعره، وقال إن العنوان قد اقترحه كاتب المقدمة محمد حسن عواد.
وقد أعاد مكتب الفكر بجدة لأصحابه محمد حسن عواد 1385هـ طبع الكتاب وقال عنه «هو ديوان عمر عرب أول شاعر رومانسي حديث في المملكة».
وقد كتب محمد حسن عواد في تقديمه لكتاب (الشجرة ذات السياج الشوكي) لرشاد سروجي الذي طبع في مصر عام 1380هـ / 1960م «.. وفي سنة 1341هـ تجددت صداقتنا في مكة، وقد قدمني في هذه المرة إلى لفيف من أصدقائه الأدباء كانوا يجتمعون في ندوة أدبية في مكان أنيق في محلة (جرول) بعد عصر كل يوم، وكانوا قليلي العدد لا يزيدون على أربعة وهم: عمر عرب ومحمد سرور الصبان وعبد الوهاب آشي وعبد الله فدا.
وكان كل منهم يتخذ لنفسه اسماً أدبياً مستعاراً، فكان الاسم الأدبي لعمر (زهير الصغير) ولمحمد سرور الصبان (أبا فراس) ولعبد الوهاب آشي (نعيمة القصير).
ومن هذه التسمية يستطيع الناقد أن يستشف النزعة الأدبية التي ينزع إليها كل من هؤلاء..».
وقال إن الساسي قد ترجم له في شعراء الحجاز باسم (محمد عمر عرب)، أما وحي الصحراء فقد ذكره باسم عمر عرب.. وهذا يعني أن اسمه عمر، أما محمد فللتبرك.
يذكر عبد الله عبد الجبار في (التيارات الأدبية) أن مدارس الفلاح تقيم حفلات خاصة وعامة خارج المدرسة وداخلها يحضرها الرسميون وغير الرسميين من أبناء الشعب وأولياء أمور الطلبة فيرون كيف تتفتح البراعم الأدبية الجديدة.. إلى أن قال: «.. ولعل من أبرز من أنجبتهم مدرسة الفلاح بمكة حينذاك أدباً وخطابة عبد الوهاب آشي، وعمر عرب، وعمر الصيرفي، وعبد القادر عثمان، ومصطفى اندر قيري، وغيرهم من المتأدبين.. ».
وقال: «.. وفي مكة كانت مجالس للسمر والاجتماع والمذاكرة الأدبية كـ (بخشة) [حديقة] الشيخ محمد عمر رفيع ومجلس عبد السلام كامل وغيرهما..
وقد أسس المرحوم عمر عرب نادياً سرياً للأدب في بستان (كوشك) بالمسفلة يجتمع فيها طائفة من الشبان المتحررين يخطبون ويتحاورون في الأدب والسياسة.. وظل النادي يؤدي مهمته إلى أن وشِي بصاحبه فهاجمته الحكومة وأغلقته».
وقد اعتبره محمود عارف من الرعيل الأول في عهد التفتح.. والانطلاق إلى جانب محمد سرور الصبان وعبد الوهاب آشي ومحمد سعيد العامودي ومحمد حسن عواد وغيرهم وقال: «.. وهؤلاء هم سدنة النهضة الأدبية في الحجاز منذ العشرينيات.. ».
وقال: «.. والصحوة الأدبية التي كانت في الحجاز لم تكن من صنع محمد حسن عواد وحده.. وإنما كانت صحوة بدائية شارك فيها مجموعة من لداته من الجيل الأول أمثال محمد عمر عرب ومحمد البياري وعبد الوهاب آشي ومحمد سرور الصبان وغيرهم.. ».
وذكر أنه : «.. في الأربعينيات كانت هناك روابط اجتماعية بين شباب ذلك العهد، وهو عهد التفتح الأدبي في جدة ومكة وهذا التفتح هو أثر من آثار الصحوة الفكرية التي كانت موجودة في الشباب حين كانوا يواكبون الحركات الأدبية العربية المجاورة وبالأخص في مصر والعراق وسوريا ولبنان والمهجر.. ». وذكر من بين أبرزهم محمد عمر عرب.
وقال إنه قد مر الأدب في المملكة بمراحل عديدة بدأت قبل (60) عاماً وبدأ مشوارها رعيلنا الأول.. وذكر منهم الأستاذة: عبد الوهاب آشي ومحمد حسن عواد ومحمد سرور الصبيان وعمر عرب. وقال: «.. فهؤلاء كانوا نخبة ممتازة تعيش في حمى الأدب بروح لطيفة مدفوعة بالهواية البحتة التي يبذلون فيها جهوداً كبيرة تضارع جهود المحترفين من الأدباء رغم أنهم لم يكونوا يهدفون من وراء هذه الجهود إلى التكسب من إنتاجهم الأدبي».
وقال إن بعض هؤلاء الشباب يعقدون ندواتهم الأدبية بمكة في دار محمد سرور الصبان يستعرضون قصائدهم وأشعارهم إذا كانوا شعراء أو يتحدثون في النثر والأدب إذا كانوا كتاباً. وذكر منهم محمد عمر عرب، وقال إنه وجد مجلة خطية في مكة تسمى (الصفاء) وكان الشيخ محمد سرور الصبان يرأس تحريرها، وكانت تنشر مقالات بخطوط أصحابها «.. وهذه المجلة كانت توزع علينا بطريقة فردية عن طريق ساع خاص يحضر إلينا في جدة من مكة.. ».
ويذكر إبراهيم الفوزان في (الأدب الحجازي الحديث.. بين التقليد والتجديد)، انه عندما قامت دعوات مناهج التجديد في اللغة والأدب في سائر الأقاليم العربية.. قامت (جمعية الأدب الحديث) بمكة 1923م وأعضاء (نادي الحفل والمحاضرات) بالمدينة المنورة.
وقال: «.. تكونت بمكة ومن أعضائها محمد عمر عرب وعبد الله فدا ومحمد سرور الصبان وعبد الوهاب آشي ومحمد حسن عواد، وقد أشار إليها مؤلف (الشجرة ذات السياج الشوكي)، وأطلق عليها (رابطة جرول) بمكة، ولكن العواد صحح لي هذه التسمية وزودني بالكثير عن آثارها».
وأخيراً قال عنه سعد بن سعيد الرفاعي في قاموس الأدباء: «.. كان أديباً بليغاً، قوي البديهة، حاد الذكاء، ويتصف إنسانياً بصفات خلقية رائعة؛ فقد كان موظفاً مثقفاً مرناً لا تفارق الابتسامة محياه، وكان شاعراً ذا نزعة رومانسية، له طريقته الشعرية في إبراز موضوعاته، وصبغها بلونه الخاص الذي يميزه بين جيل الرواد، استلهم التراث، وتأثر بشعراء المهجر، وكانت له محاولاته في التجديد الشعري، ابتعد عن الخطابة وراوح بين الشكل العمودي وتجديد شعراء المهجر، والسير على نهجهم في تنوع القوافي، والتجديد فيها مع التزام البحر الشعري، وقد تميز برقة أسلوبه واتخذ له اسماً أدبياً مستعاراً هو (زهير الصغير) نسبة إلى البهاء زهير الشاعر العربي تعبيراً عن انحيازه إلى الشعر الوجداني المتسم بالأناقة والصفاء.
... ... ...
المراجع والمصادر:
o أدب الحجاز، محمد سرور الصبان، القاهرة، المطبعة العربية بمصر لصاحبها خير الدين الزركلي، ط1، 1344هـ.
o قصاصات عبد الله عبد الجبار، عابد خزندار بيروت: الانتشار العربي، ط1، 2017م.
o معجم المطبوعات العربية، المملكة العربية السعودية، علي جواد الطاهر، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط1، 1985م.
o المعرض أو أدب شباب الحجاز في اللغة العربية، محمد سرور الصبان، القاهرة: المطبعة العربية بمصر، ط1، 1345هـ / 1936م.
o معركة الشعر الحر في المملكة، محمد القشعمي، الرياض: المجلة العربية، ط1، 1429هـ / 2008م.
o وحي الصحراء، محمد سعيد عبد المقصود، وعبد الله بلخير، جدة: تهامة، 1403هـ / 1983م.
o أوراق منسية، محمود عارف، جدة: دار البلاد، ط1، 1407هـ / 1986م.
o التيارات الأدبية في قلب الجزيرة العربية، عبد الله عبد الجبار، القاهرة: جامعة الدول العربية، معهد الدراسات العربية العالية، ط1، 1959 - 1960م.
o خواطر مصرحة، محمد حسن عواد، أعمال العواد الكاملة، مج1، ط1، 1401هـ / 1981م. القاهرة: دار الجيل للطباعة.
o الأدب الحجازي الحديث.. بين التقليد والتجديد، إبراهيم بن فوزان الفوزان، ج1، ط1، 1401هـ / 1981م، القاهرة: مكتبة الخانجي.
o الشجرة ذات السياج الشوكي، رشاد سروجي، ط1، 1380هـ / 1960م، القاهرة: مطبعة أمين عبد الرحمن.
o قاموس الأدب والأدباء في المملكة العربية السعودية، الرياض،: دارة الملك عبد العزيز، ط1، ج2، 1435هـ / 2014م.