د. أبو أوس إبراهيم الشمسان
الفصل الثاني: الصحيح المشدد صحيح واحد طويل أم صحيحان قصيران؟
يبدأ ببيان قيمة طول الأصوات في بعض اللغات التي منها العربية؛ فطول العلة يميز بين (كاتَبَ) و(كَتَبَ)، والحركات القصيرة علل عند أستاذنا كحروف المدّ، والفرق بينها في الطول والقصر، وكذلك يميز الطول في الصوت الصحيح بين (دَرَسَ) و(دَرَّسَ).
يبين أستاذنا أن تفسير الطول في العلل أو الصحاح في اللغات يختلف من لغة إلى أخرى حسب اعتباره، أي الناحية الصوتية اللغوية أو الناحية الصوتية اللفظية، أعدُّ الصحيح الطويل صوتًا واحدًا أفضل أم عدّه صوتين متتابعين؟
ذكر أن بعض اللغويين المحدثين مثل فندريس يعدّ الصوت الصحيح الطويل (المشدّد/ المضعّف) صوتًا واحدًا؛ لأن أعضاء النطق تلتقي مرة واحدة لإخراجه، وألمح إلى أن نظام الرسم الكتابي راعى ذلك بدليل رسمه المضعف بحرف واحد، ولعلي أخالف أستاذي في ذلك؛ فالرسم روعي فيه تجنب المتماثلات في الكلمة الواحدة؛ ولذلك لم يُرسم المدغمان بحرف واحد إن كانا في كلمتين (الشّمس، عُدتّ) فاللام رسمت وإن نطقت شينًا، والدال رسمت وإن نطقت تاءًا.
ويبين أستاذنا أن المضعف قد يكون من حيث اللفظ صوتًا واحدًا؛ ولكن هذا ليس هو الأهم بل التحليل المفسر للظواهر؛ ولذلك لابد من عدّ المضعف في العربية من قبيل الصوتين لا الصوت الواحد؛ وذلك لأنهما يتعاقبان في مثل (ردَّتْ) و(ردَدْتُ)، وتفسير نشوء المضعف بسبب حذف العلة [الحركة] التي بين المتماثلين يشير إلى أن المضعف هو صوتان لا صوت واحد. ويستدل بأن الوزن العروضي وهو وزن صوتي يفرق بين جَدَلَ وجَنْدَل ولا يفرق بين جَنْدَلَ وجَدَّلَ؛ لأنه يعدّ المضعّف صوتين لا صوتًا واحدًا. وكذلك النبر في العربية يقتضي عدّ المضعّف صحيحين، فهي لا تميز بين (كتبْتَ) و(سكتَّ) فالنبر على المقطع الثاني فيهما، أما في (سَكَتَ) و(سكَتَّ) فالنبر على المقطع الأول في الكلمة الأولى وعلى الثاني في الكلمة الثانية، وهذا يعني أن التاء في الثانية غير التاء في الأولى وأن المضعف يشترك فيه مقطعان فهو نهاية مقطع وبداية مقطع آخر.
ومن دلائل كون المضعف صوتين أنه قد يكون نتيجة تماثل صوتين مختلفين مثل اطّرد الذي أصله اطترد، وقد يكون نتيجة توالي مثلين من كلمتين كما في (سكتّ) فتحليلها صرفيّاً يقتضي عدّ التاء حرفين الأول لام الكلمة والثاني ضمير الفاعل (سكت+ تَ).
وقد يكون المضعف لتوالي مثلين من كلمتين صدفة مثل: كم مّلكَ؟ فهي في اللفظ مثل (كمّلكَ) وهذا يدل على أن المضعف في (كمّلك) صوتان.
ومن دلائل ذلك أن البدء في العربية بصحيحين متواليين غير مقبول مثل (نْطَلَقَ) وكذلك لا يقبل البدء بمضعف مثل (ثّاقلتم) وهذا يدل على أنهما صوتان لا صوت (ثثاقلتم)، يقول أستاذنا «فقواعد النسج الصوتي، أو التركيب الصوتي، للكلمة العربية يتطلب إذًا اعتبار الصحيح (المضعّف) صحيحين متواليين»(1: 39).
ومن هذه الدلائل أن التخلص من البدء بالساكن لا يفرق بين المضعف وغيره، تقول: اتّعِظ، كما تقول: اكتبْ. وكذلك يراعى المضعف في التصريف مراعاة غير المضعف كما في تكسير (حِمل) على (أحمال) بإقحام ألف بين الميم واللام، كذلك تقحم في تكسير (سرّ) على (أسرار). وينتهى إلى أن المضعف لا يمكن عده صوتًا واحدًا من حيث الصوتية اللغوية، سواء أصوتًا واحدًا من حيث الصوتية اللفظية كان أم صوتين، وسواء أرمز إليه برمز واحد أم رمز إليه برمزين.