أتفحص كلمة الذكريات لألوح لنفسي بالمعنى البعيد لها ومن علمنا إياها وكيف كانت الشعوب البدائية تعبر عن هذه الكلمة بالتأكيد أن لها ذكرياتها الغامرة المحتشدة بالقصص ولكن هل كانت الرسومات والرموز كافية للتعبير عنها في مجملها أم أن بواطن البدائيين لم تتكدس كذواتنا بتفاصيل هذا الشريط من الذكريات التي ننغمس فيها الآن. أستمع إلى أغنية ميادة الحناوي (ذكريات) وأغنية وردة (ذكرياتي) وأقرأ كثيرًا من الأشعار العربية والعالمية حول مضامين كلمة (الذكرى) وأجد أن للكلمة دلالة الألم والحسرة والفراق وربما الموت. أي أن الكلمة مرتبطة في الغالب بمفاهيم موجعة. و لها علاقة بتدفق المعاني الكثيرة لأنها ترتبط بها وتعبر عنها. والواقع أنني لم ألحظ حتى اليوم عملاً أدبيًا وفنيًا لا تكون مفردة (ذكرى) من ضمن لغته ومعناه.
إن لمفردة (الذكرى) قامة وجذوعًا ولها جذور كثيرة في معظم المرويات والمحسوسات. كلمة واحدة فقط لها كل هذه الطاقة الخلاقة الناطقة بكثير من التدفق الحسي والمعنوي يفوق التصورات. تحيرني مدلولات مفردة (الذكريات) وأشعر بأنها أكبر من معناها في قاموسها ولذلك يندر أن تتوصل اللغة إلى مترادفاتها بالدقة ذاتها. إن (الذكرى) كلمة أكبر من كل ذاكرة وتذكر حتى أنني لأخالها لم تكتشف بعد بما يكفي ولم تزل ناقصة الدلالات وأن هناك من سيلحظ من بعد ما أتحدث عنه الآن وسيتصور بأننا شعوب بدائية بتخيلاتنا المحدودة لتلك الكلمة المؤثرة. فهل ستحل الشفرات المزروعة في الذاكرة؟ لغز مفردة كـ(الذكريات) مثلا، وتبتكر تسمية ومفهوما آخر مغايرًا للكلمة؟ ربما.
** **
- هدى الدغفق