ربما يكون مسلسل (3%) من أهم المسلسلات السينمائية التي اهتمت بنقد السلطة والأيديولوجيا؛ وذلك من خلال الترميز بأيديولوجيات جديدة يتصارع عليها البشر (العملية-القضية)، هاتان هما الأيديولوجيتان اللتان يناقش المسلسل السلطة من خلالهما.
ما الذي يفرزه هذا الصراع؟!
إنه يفرز أيديولوجيا جديدة تأتي في نهاية المسلسل المكون من موسمين في أكثر من خمس عشرة حلقة؛ لكن هذه الفكرة الجديدة المتمخضة من هاتين الأيديولوجيتين لم تكتمل فلسفتها؛ فهي بين (إنلاند) التي تحمل (القضية)؛ و (أفشور) التي تحمل (العملية). والمؤسسان لهذه الأرض الجديدة أو الحياة الجديدة هما اللذان كافحا في الصراع بين السلطتين لتدميرها؛ ومحاولة عدم الارتهان بإحداهما.
بَرَع المسلسل في نقد السلطات بأنواعها (السلطة السياسية و السلطة الدينية وسلطة ثقافة المجتمع)؛ وذلك من خلال تكاتف السلطة الدينية (القس/والد فرناندو)؛ مع السلطة السياسية الغالبة (العملية) ليخرج لهم في كل عام (3%) من المؤهلين بذكائهم ومكرهم للالتحاق ب(العملية) أرض الرفاهية التي لا يستحقها إلا المتميزون من أرض (إنلاند).
وقد حضر في نقد السلطات الناحية الاجتماعية المعتمدة على إرث القبيلة/العائلة التي ترى من حقها الفوز ب(3%) لكونها من عائلة (إلفارزوا) المتميزة في تاريخها العائلي؛ إلا أن ابنهم (ماكرو) يخسر في الترشيح لنقص في دهائه مكره؛ بينما تحتل أمه منصب رئيس (العملية) لقتلها الرئيس السابق (إيزيكيل). كما يحضر (العشق/الحب) باعتباره العقبة الكبرى ضد الانتصار للأيديولوجيا؛ فهو في صراع مع الأدلجة؛ ويقف عقبة أمامها حينما يضحي (فرناندو) بالترشيح بعد وصوله للنهائي بسبب فقده لحبيبته (ميشيل) فيتنازل عن الترشيح ويعود إلى بؤس (إنلاند) لكنه يعود إلى (العملية) مخربًا ومنتقمًا منها. لم تنفك الأيديولوجيا من التحزبات والمكر والقتل والخداع والاستغلال حتى تنتصر لذاتها من خلال التقتيل والمخادعة بين أعضاء الحزبين (العملية/القضية)؛ كما أنها لم تنفك عن ادعاء الخلاص والفردوس المفقود في كلا الأيديولوجيات (القضية) البائسة الفقيرة التي يعيش أهلها بملابس قديمة متهالكة مقطعة وفي معيشة بائسة؛ وفي (العملية) المرفهون الذين يعيشون في رفاهية باذخة؛ ويعِدون ال(3%) بمزيد من الرفاه في حال فوزهم؛ لكنهم يتفاجؤون في آخر اختبار لترشيحهم أن يُخيروا بين الإكمال مع العقم عن الإنجاب أو مغادرة (أوفوشور) والعودة إلى بؤس (إنلاند)؛ وهنا نجد نقد السلطات الواعدة بكل تياراتها اليسارية الثورية المنتصرة للضعفاء؛ والتيارات المنتصرة للمتميزين؛ كلاهما يسعى لتعميق سلطته من خلال التطمين بالخلاص.
ويمكن لي أن اعتبر ملسلسل (3%) الذي أنتجته (نتفلكس) ضمن قائمة من المسلسلات التي ناهضت السلطة بأنواعها كمسلسل (Travelers) و (Continuum) و مسلسل (Sense8) وغيرها من المسلسلات؛ إلا أن مسلسل (3%) يريد أن ينقد السلطات من داخلها من خلال البحث في فلسفة الأيديولوجيا؛ ف(العملية) مبنية على المؤسسيْن لها؛ الذيْن يريدان تمييز البشر؛ فتكتشف (ميشيل) وأخيها (آندريه) من خلال البحث داخلها أن المؤسسين ثلاثة وليسوا اثنين؛ وأن وجهات نظرهم مختلفة وليس مجمع عليها كما تنشرها سلطة(العملية) بين الناس؛ بينما مسلسلات (Travelers) و (Continuum) فإنها تُدخل العلم التجريبي في تغيير مسار السلطة من خلال السفر عبر الزمن لتغيير مجريات السلطة الانتهازية للبشر؛ و مسلسل (Sense8) يتعامل مع السلطة من خلال العلم البيولوجي المتحكم في (خلايا) البشر والتأثير عليهم؛ ويريد المسلسل أن يصارع السلطة من خلال كشف ألاعيبها بخلايا البشر. وهنا يمكن لنا أن نتساءل عن إنجاز موسم ثالث للمسلسل يناقش الفكرة الجديدة المتمخضة عن ثنائية (العملية/القضية) باعتبارها فلسفة جديدة يعيش الناس تحت لوائها؟!!
** **
- صالح بن سالم