محمد بن عيسى الكنعان
القرار الأمريكي بإلغاء الاتفاق النووي مع إيران لن يكون مجرد أزمة سياسية عابرة، قد تنجح الدبلوماسية في حلها أو إيقاف تداعياتها كما يظن البعض، إنما هي خطوة مغايرة عن كل المواقف الأمريكية السابقة بهذا الشأن، خاصة أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كان واضحًا في مبررات القرار، وفي مضمون الرسالة التي وجهها لإيران، وكانت باختصار تحمل خيارين، كلاهما مُر: «التفاوض.. وإلا»، بمعنى الرضوخ أو العقاب.. بل كان ترامب واضحًا منذ أن تسلم الرئاسة أن لديه توجهات حيال إيران خلاف ما كان يقوم به سلفه بارك أوباما، الذي ترك إيران تعبث بالمنطقة، سواء بتدخلاتها المباشرة عبر الحرس الثوري الإيراني وفيلق ما يسمى القدس بقيادة الإرهابي قاسم سليماني، أو عبر وكلائها في المنطقة، كما في حزب الدعوة بالعراق، أو حزب الشيطان في لبنان، أو مليشيا الحوثي المجرمة في اليمن، أو نظام الطاغية بشار في سوريا.. فضلاً عن محاولات الغدر للعبث بأمن مملكة البحرين الشقيقة.
قد يراهن الإيرانيون على الموقف الأوروبي كما في السابق، وفي قضايا أخرى، لكن الموقف الأمريكي يبدو صارمًا ومحددًا حيال هذا الاتفاق النووي، بدلالة أن موقف الأوروبيين يتجه نحو مفاوضات شاملة بخصوص البرنامج النووي الإيراني؛ وهو ما يعني في نهاية المطاف التماشي مع التوجه الأمريكي، فضلاً عن أن الأمريكان بدؤوا يحيدون الأطراف الدولية؛ فلا تتدخل بشكل مباشر؛ ما يمنع توفير مخرج لإيران من مأزقها الراهن. كما عمدت الإدارة الأمريكية إلى تهدئة المناطق المتوترة كما في الكوريتين لقيادة الرأي العالمي نحو برنامج إيران النووي. إذًا نظام الملالي في إيران أو (شريفة) في مأزق حقيقي وإن تظاهر بالتماسك، وإذا ما واصل الملالي عنادهم وعدم الرضوخ بإعادة التفاوض من جديد حول برنامجهم النووي ووفق الشروط الأمريكية فإن نظامهم سيواجه ضغطًا أمريكيًّا شاملاً، لا يقف عند حد العقوبات الاقتصادية؛ فالرئيس ترامب قال بوضوح إن على إيران التفاوض وإلا «سيحدث شيء ما»، ولك أن تتوقع أو تضع أكثر من سيناريو: عقوبات قاسية، أو دعم المعارضة الداخلية، وربما تدخل عسكري للإطاحة بهذا النظام الدموي.. فضلاً عن القبول الرسمي والارتياح الشعبي للخطوة الأمريكية من قِبل منطقتنا الخليجية والعربية بغض النظر عن أصوات النشاز التي تنعق من البوق الإيراني.
السؤال: ما موقف النظام القطري من مأزق الدولة التي وصفها يومًا ما بـ(الشريفة)؟ هل سيواصل علاقته معها مراهنًا بعلاقته مع الولايات المتحدة كما فعل مع محيطه الخليجي؟ أم يدرك هذا النظام رقبته قبل فوات الأوان وتأزم الأمور؟ وإذا ما قرر الانحياز للموقف الأمريكي بشكل كامل فما تبعات ردة فعل إيران على النظام القطري وهو الذي فتح للإيرانيين بلاده؟ ففي قضية إلغاء الاتفاق النووي الإيراني ليس هناك منطقة رمادية يمكن للنظام القطري الوقوف عليها، أو أن يحاول كسب رضا الطرفين في وقت واحد. إن مستقبل النظام القطري مرهون بتجلية موقفه من الاتفاق النووي الإيراني، إما مع الموقف الأمريكي أو ضده؛ فدولته ليست كبرى بالمنطقة، أو مؤثرة؛ فيمكنها التزام الحياد، أو لعب دور الوساطة.