علي الخزيم
نترك الأبلة حصة -والاسم اختيار عشوائي- بالانتظار قليلاً لتوضيح أصل السمبوسة وهي المعجنات المثلثة المحشية حسب الذوق والرغبة، ومن أين جاءت إلينا: فقيل إنها كلمة مُعَرَّبة إذ إنها هندية الأصل وكانت تُقدم لأعز الضيوف مبالغة بالتكريم، وجلبها تجار العرب معهم إلى الخليج فباتت من أفضل ما يطلبه ويتناوله الصائم على مائدة إفطار رمضان بأكثر دول المنطقة، وقبل (حصة) وردت بالعنوان كلمة (الأبلة) وهي لفظة تركية تعني الأخت الكبرى تقال احتراماً وتقديراً لكل أخت كبرى بالأسرة، كما ينادون الأخ الأكبر (آغا بيه) وبالدارج آبيه، ومن هنا أطلقتها الطالبات على معلماتهن وهي مستخدمة نسبياً بالمملكة وكذلك مصر وفلسطين والأردن.
أما حصة فقد يخطئ البعض بحصر معناها على الحظ والنصيب، فمن معانيها الجميلة أنها الواحد من حص البحر أي جواهر البحر وأحجاره الكريمة لا سيما اللؤلؤ المتوفر بمنطقة الخليج العربي، ومثلها قياساً زمردة وجوهرة وغيرهن، وبمناسبة الأسماء فقد لفت انتباهي خلال زيارة لدولة خليجية بدعوة من صديق يعمل هناك أن كثيراً من النساء بتلك المحافظة تسمى (موزة) عرفت ذلك من أسماء صغيرات كن برفقة آبائهن بإحدى المناسبات وأكدوا أن هذا تسلسل أسري تقديراً لجدات كن بهذا الاسم وهو يقل تدريجياً، وأنه لا يعني بالضرورة ثمرة الموز المأكولة إنما يعني غصون شجر الموز المياس، يقول شاعر شعبي: (صاحبي غصن موز والهوى به يميل + ليت من هو بعالي الغصن يقطف جناه).
إلا أني سمعتهم في تونس الشقيقة إذا أرادوا مدح شيء مما يتلذذ به يقولون: (كيف الموز) أي كأنه الموز، ومما لمسته هناك أنهم يعشقون تناول الموز والتفاح وأنها من الفواكه النادرة، وقد يكون ذاك الوضع قد تغير بتغير الأحوال.
أعود للمعلمة حصة وسمبوستها التي لا تستغني عنها برمضان ولكن تسعة أيام ستقضيها بالعمل من بداية الشهر الكريم تسبب لها أزمة وإرباكاً بجدولها اليومي، لذلك فمع أن الحضور سيكون دون عمل يذكر فقد قررت استثمار الوقت بالمدرسة بما يفيد؛ وليس أهم حينئذ من المثلثات المفضلة لها ولأسرتها؛ فأوضحت لزميلاتها في معرض حثهن على استثمار الوقت الضائع -حسب رأيها- بالتفنن بحشو المعجنات بأفضل أصناف الكراث والبصل والثوم، ووعدتهن بأنها ستعلمهن مبتكرات مدهشة من الحشوات وخلطات سِرِّيَّة لن تبوح بها سوى بالمدرسة وذلك لحثهن على المشاركة بحيث لا تكون وحدها بهذه التظاهرة المدرسية الرمضانية الطارئة!
هذه الحالة من الأبلة حصة وبعض رفيقاتها أفرزتها فكرة الدوام الرمضاني لمدة تسعة أيام، فبوسط تذمر وتعجب من القرار الذي يفرض عليهن العمل بغياب الطالبات؛ ولأنهن عناصر فاعلة لا يعرفن الكسل والخمول؛ لم يرضين بهدر الوقت فكان من المناسب بعد مداولات ومشاورات عن بُعد يسَّرتها الأجهزة المحمولة قررن دون رجعة بملء أوقات عمل الأيام التسعة بإنجاز أعمال مطبخية، على اعتبار أنها كلها تدخل في باب التغذية، فالدروس تغذية فكرية وهذه تغذية مِعَدية فما الفرق أيها المعترضون؟!