د. عبدالحق عزوزي
أعلنت الولايات المتحدة ودول الخليج فرض عقوبات على قادة حزب الله اللبناني من بينهم الأمين العام حسن نصر الله وأعضاء مجلس الشورى في الحزب. واتهم وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوشين حسن نصر الله بأنه «يطيل المعاناة في سوريا ويغذي العنف في العراق واليمن، ويعرض لبنان وشعبه للخطر ويزعزع استقرار المنطقة بكاملها».
ولا يخفى على كل متتبع أنه بناء على أوامر قوة القدس التابعة للحرس الثوري، فإن الأمين العام (لحزب الله) ورئيس مجلس الشورى حسن نصر الله يطيل المعاناة في سوريا ويغذي العنف في العراق واليمن، ويعرض لبنان وشعبه للخطر ويزعزع استقرار المنطقة بكاملها». كما فرضت واشنطن عقوبات على محافظ البنك المركزي الإيراني وبنك مقره العراق «الذي ينقل ملايين الدولارات للحرس الثوري الإيراني». وكانت وزارة الخزانة فرضت الأسبوع الماضي عقوبات على ستة أفراد وثلاث شركات قالت إنها حولت ملايين الدولارات لفيلق القدس، ذراع العمليات الخارجية للحرس الثوري.
المهم أن مسؤولية إيران في تنظيم العمليات الإرهابية الخارجية ورغبتها في زعزعة استقرار الأوطان والشعوب العربية إما مباشرة أو عن طريق هياكلها ومندوبيها بما فيهم حزب الله، لم يعد يخفى على أحد؛ ولعمري هذا لصيق بنوعية النظام الإيراني الذي تحدثنا عنه في مقالاتنا السابقة، حيث إن تصدير الثورة من مكوناته وأبجدياته؛ وإذا فهمنا ذلك بدقة فهمنا السياسة الداخلية والخارجية للبلد وفهمنا المشاكل التي تعاني منها دول مثل العراق واليمن ولبنان وسوريا والمنطقة بأكملها، وفهمنا محدودية الاتفاق الدولي النووي، لأن النظام لا يمكن أن يتعظ ولو وقعت المئات من الاتفاقيات الدولية معه... فتصدير الثورة عند القادة في إيران تتيح لهم كل الطرق والمناورات والخطط التي تقوض الدول والمؤسسات وتنشئ الميليشيات والجماعات المسلحة؛ ومسألة التقية مسألة تبيح لهم الظهور بوجه والقيام بشيء آخر؛ فالاتفاق النووي مثلا إيديولوجيا هو من باب التقية الذي تتبعه إيران لإسكات المجتمع الدولي وتحقيق مصالحها بأمان، خاصة وأن الاتفاقية لا تعطي أية ضمانات لفترة ما بعد انتهاء صلاحية الاتفاق عام 2025 كما أن الاتفاق لا يحمل أية ضمانات إقليمية ولا يسطر أية بنود لا تسمح لإيران بالتوغل بجيوشها ومدنييها وعددها في المنطقة؛ والدليل على ذلك أنه ورغم مرور ثلاث سنوات على الاتفاقية استمر الإيرانيون في تغذية كل الصراعات في العراق واليمن ولبنان وسوريا بل ويحاولون تدريب ما يسمون بالبولسياريو وتسليحهم لزرع الفتنة في المغرب وهو ما جعل المملكة كما يعلم القاصي والداني تقطع علاقاتها مع إيران...
صحيح أنه ستتأثر شركات ودول بسبب القرار الأمريكي خاصة الأوروبية منها لأنها مضطرة للخروج من السوق الإيرانية، فشركة صناعة الطيران الأوروبية «إيرباص» مثلا من أكبر الخاسرين من فرض هذه العقوبات، فقد أعلنت من قبل عن عقود مع ناقلين إيرانيين هما «إيران إيرتور» و»طيران زاغروس» لبيع مائة طائرة في المجمل في صفقة تقدر قيمتها بنحو عشرة مليارات دولار. كما أنها لا تستطيع التأثير على القرار الأمريكي لأن لها مصالح في الولايات المتحدة الأمريكية مما يمكن أن يعرضها لعقوبات وأضرار لا يحمد عقباها...
ولهذا شهدنا في الأيام الأخيرة اجتماعات مكوكية بين المسؤولين والقادة الأوروبيين، حيث اتفق هؤلاء الذين اجتمعوا مساء الأربعاء في العاصمة البلغارية صوفيا على «مقاربة موحدة» بخصوص الاتفاق النووي مع إيران طالما استمرت الأخيرة في احترامه، وذلك في مواجهة قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سحب بلاده من الاتفاق. كما أعلنوا «بدء أعمالهم لحماية الشركات الأوروبية المتأثرة من القرار الأمريكي».
وفي الوقت نفسه، أكدوا أنهم «سيردّون على المخاوف الأمريكية حيال الدور الإقليمي لإيران (في الشرق الأوسط) وبرنامجها للصواريخ البالستية»، كذلك اتفقوا على الدفاع عن أنفسهم ضد تهديد البيت الأبيض بفرض تعريفات على الصادرات الأوروبية من الصلب والألمنيوم، قائلين إنها لن يتفاوضوا في ظل «وجود مسدّس في الرأس».
كل متتبع حصيف لقواعد النظام الدولي والدور الأمريكي فيه، سيفهم محدودية هاته القرارات الأوروبية، كما أن الاستثمارات الدولية التي كانت تنشدها إيران في البلد أضحت صعبة بل وشبه مستحيلة، وأظن أن الشعب الإيراني بات عليه لزاما فهم ما يقوم به القادة الإيرانيون من إجرام في حقه، حيث يبعدهم النظام الإيراني يوما بعد يوم من صفحات التاريخ...