سعد بن عبدالقادر القويعي
أكتب بإحساس منقبض؛ لأعزي نفسي بمداد يتقازم أمام خلقك الطيب، وأودعك -اليوم-، والحسرة تحرق قلبي لا لشيء، وإنما على عين رمدت، ولم تكتحل برؤية محياك الجميل، وعلى فم صام، ولم يذق طعم الوصال بالحديث إلى مقامك المهيب، ولا أملك -حينئذ- إلا الصبر؛ لأنك رحلت عنا كالنسمة العاطرة التي تسللت من هذه الدنيا الفانية بهدوء دون ضجيج، ووددت لو مشيت في جنازتك، وأشيعك إلى حيث ترقد في مثواك على هذه الأرض، والتي كانت أيامك عليها قليلة؛ وكأن رحلتك في الحياة قصة قصيرة، لم تثقل كاهل أحدنا بإتمام مطالعتها.
لم تكن مكالمة كباقي المكالمات، حين رن هاتفي بإيقاعه الحزين؛ فشعرت برعدة التوجس، وخفقات الهزيع، وتنهيدة وجع ذاك المساء، عندما تأكدت من مصدر الخبر، الذي أصابني بصدمة أفقدت وعيي؛ لأن الناعي نقل لي خبر رحيلك الصامت، بعد مرض مفاجئ، صارعته بكل ما بقي لديك من قوة، ليس حباً في الحياة، وإنما رغبة في تحدي الصعاب؛ متواضعاً رغم شموخك، وعلو هامتك، وسمو قامتك.
بالرغم من مرارة الرحيل الذي سارع بك، وأنت في عز العطاء؛ وكأني بك لم ترحل. وفي زمن أصبحت المحبة ضائعة في متاهات الدروب، إلا أنك كنت نهراً متدفقاً لا ينضب -أبداً- من الحب، والعطاء، وظلاً وارفاً في هجير المواسم، وواحة غناء في صحراء الأيام، وقطرة مطر تسقي أرضنا القاحلة بمشاعر صادقة، يطرزها دفء الذكريات، وحنين العودة إلى الماضي.
رغم شموخها، وعلو هامتها، وسمو قامتها، وقفت عمتي الكريمة «أم فواز» صامتة في مصابها؛ لتودعك - اليوم - بعين تفيض دمعاً، وفؤاد يتفطر أسى، وكبد تحترق حزناً؛ لكنه جاء مفعماً بالرضا، والتسليم للقدر؛ فتحية لروحك أيها الراحل عنا بصمت. وخاتمة النشيد، إن غبت عنا، فسيبقى رسمك حاضراً بحجم ألمنا عليك، وسنصبر على مصائب الدنيا بصادق النصح، وسنستمد التوفيق بصادق الدعاء من الله -جلّ في علاه- إن خفتت الأنفاس، وغيب القبر محياك الحبيب، بأن يجعل قبرك نوراً تحفه ملائكته الكرام، وأن يجعل كتابك في عليين، مع صفي الخلق محمد -صلى الله عليه وسلم-.