انتقلت إلى رحمة الله ولطفه يوم الجمعة الموافق للثامن عشر من شهر شعبان عام 1439هـ واحدة من فضيلات النساء ومن يصح فيها المثل السائر (وراء كل رجل عظيم امرأة).
إنها عمتي بل أمي التي لم تلدني الشيخة الفاضلة والأديبة الأريبة والشاعرة ذات الرأي والحكمة (منيرة بنت علي الغصون) شقيقة الشيخ الوالد صالح بن علي الغصون، كانت سيدة بمقام رجل فلو كانت رجلاً لكانت من رجالات السعودية الذين يشار لهم بالبنان، كانت تعيش في كنف الوالد وكانت حافظة لكتاب الله من صغرها، وكانت تحفظ الكثير من شعر الحكمة، وكانت ذات رأي ومشورة، تساعد أخاها في تدبير شؤون المنزل والعناية بنا، وكنت في صغري أحسبها أم والدي لما أراه من إجلال الشيخ لها وتقدير من في البيت لها من أمي وخالتي (زوجة أبي الأخرى) واخواني وأخواتي الذين هم أكبر مني سناً وأقارب الوالد، وكان الوالد يسميها المدير لإجادتها الإشراف على أمور المنزل ومتابعة الأبناء. فبالرغم من كونها كفيفة إلا أنها تعرف كل كبيرة وصغيرة في المنزل -رحمها الله- فلم تتزوج وقد حفظها لها الشيخ هذا المعروف فظل يحرصنا على الاهتمام بها ورعايتها في حياته وحين مماته.
لقد كانت رحمها الله صوامة قوامة تتصدق بفضل مالها على المحتاجين وفي أعمال الخير. ومما يذكر لها فيشكر -رحمها الله- أنها كانت تمضي ليلها تدعو الله بأن يوفق الجميع وخاصة من لديه معضلة فتظل تدعو له بالتسهيل والتيسير.
ولها قصائد عديدة في مدح الشيخ وعندما توفي -رحمه الله- رثته بقصيدة مؤثرة.
وكان النساء يسألنها فيما يشكل عليهن من مسائل فقهية فكانت تسأل الشيخ وتنقل لهن الفتوى.
وكانت بارة بوالدتها فلم تفارقها ولا دقيقة حتى توفيت إلى رحمة الله.
ولم تكن تخرج من بيتها إلا لصلاة العيدين كنساء السلف.
لقد كانت رحمها الله على الرغم من صرامتها وحزمها تحتفظ بعلاقة ممتازة ومتوازنة مع جميع من يعاشرها من زوجات الشيخ وأبنائه وأقاربه وجيرانه لما تتمتع به من دعم من الوالد من جهة وما تتوافر عليه من الحكمة واللباقة فحازت على التقدير والاحترام من الجميع، ونحن اليوم إذ نفقدها لنحتسبها عند الله مؤمنين بقضائه وقدره، سائلين الله تعالى أن يغفر لها ويرحمها ويعظم أجرنا فيها، شاكرين لها ما قدمت لنا ولأبينا.
إن العين لتدمع والقلب ليحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا عز وجل وإنا لفراقك يا عمتاه منيرة لمحزونون.
{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
** **
أحمد بن صالح الغصون - ابن شقيقها