د. محمد بن يحيى الفال
أسابيع عدة لا تزيد على عدد أصابع اليد الواحدة، تفصلنا عن البدء في تنفيذ الأمر السامي الكريم الذي أصدره خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز والقاضي باعتماد تطبيق أحكام نظام المرور ولائحته التنفيذية، بما فيها إصدار رخص القيادة على الذكور والإناث على حد سواء، على أن يبدأ تنفيذه بالنسبة للإناث بتاريخ العاشر من شوال، الشهر العاشر من شهور السنة الهجرية للعام 1439هـ.
القرار بلا أدني شك هو قرار تاريخي ومن القرارات التي سوف يذكرها التاريخ لملك الحزم والعزم سلمان الخير، وجاء القرار ليضع خلفه عقودًا من الجدل والأطروحات التي قد تكون في بعضها صائبة في الفترة الماضية فيما يخص بعدم السماح للمرأة بالقيادة وهو الأمر الذي يقع في الباب الفقهي المتعلق بتغليب المصالح على المفاسد، وهو أمر متغير بتغير الوقت وتغير نظرة المجتمع لقضية ما.
ولعل المثال الأوضح فيما يخص تغيير نظرة المجتمع نحو قضية جدلية، نراه جليًا وواضحًا في قضية تعليم المرأة التي عارضها قطاع كبير من المجتمع في بدايتها وليتضح للمجتمع عدم صواب موقفه، ولينتشر تعليم المرأة في الحواضر والبوادي على حد سواء، ولتصبح المرأة السعودية بعض عقود من تصالح المجتمع مع قضية تعليمها وحقها فيه مثالاً رائعًا مكنها من الوصول إلى أرفع مستويات العلم والمعرفة وفي كافة المجالات والتخصصات ومن أفضل وأرقي الجامعات العالمية.
وبالأمس القريب بدأت العروض السينمائية في دور العرض العامة في الرياض ولتلحق بها عموم المملكة في الفترة القربية، وتقبل المجتمع الأمر الذي أخذ هو الآخر عقودًا من الجدال ليتضح للجميع بأن السينما ليست سوى قرينة التلفزيون، بشاشة كبيرة وعرض جماعي ترفيهي وبريء ولتسقط كافة المخاوف السلبية عنها بين عشية وضحاها.
ومع بدء السعوديات في الجلوس خلف المقود بدءًا من العاشر من شهر شوال الموافق للرابع والعشرين من يونيو فهناك عدد من المحاور التي تتعلق بخوض المرأة لتجربة السياقة بعد عقود من منعها وبمعني أصح قيادتها للسيارة لأول مرة في المملكة بشكل علني وقانوني، وأهم هذه المحاور الهادفة لتطبيق عملي وسلس لقيادة المرأة يكمن في التدرج الطوعي للسياقة، مكافحة تهور بعض السائقين ومحاربة من يحاول التحرش بالنساء السائقات.
والقصد بالتدرج الطوعي للسياقة هو أن تسارع كل النساء الراغبات في سياقة السيارات ومن لهن خبرة في سياقة السيارة من خلال تجاربهن في الخارج بالحصول على رخص القيادة التي تؤهلهن للقيادة في المملكة، وهن بذلك سيكونن رائدات في تقديم الدفعات الأولى للسائقات للمجتمع، وبما لديهن من خبرة في السياقة يؤمل منها بأنها سوف تصب في مصلحة نجاح تجربة سياقة النساء في المملكة وذلك من خلال تحقيق هدفين، أحدهما كون خبرتهن بالسياقة سوف تعجل في تقبل المجتمع لفكرة وجود نساء على الطرق وبأنهن لسنا أقل مقدرة من الرجال في سياقة السيارة، والهدف الثاني والمهم هو بأنهن سوف يمنحن الثقة المطلوبة للنساء المترددات في الجلوس خلف الموقد، وذلك من خلال تقديم تجربتهن في القيادة لنساء المجتمع.
ومع قرب دخول النساء لعالم القيادة فإننا في حاجة ماسة لإصدار قانون يعاقب المتهورين في السياقة الذين سنت أغلب دول العالم قوانين صارمة لإخلاء الطرق منهم ومنعهم من سياقة المركبات التي هي في حقيقة الحال أدوات مُميتة إذا اُسئ استخدامها. إن فرض عقوبة صارمة لمن يسوق المركبات بشكل متهور، هو أمر طال انتظاره ولا بد من وضع حد له، وتزداد أهمية ضرورة سن قانون لمكافحة التهور في السياقة « Aggressive Driving» بكوننا جميعًا وبدون استثناء نصادف وبشكل يومي هذه النوعية من السائقين المتهورين الذين يخيفون بتصرفاتهم الهوجاء أكثر الرجال شجاعة وجسارة ويضربون بلوائح وأنظمة المرور عرض الحائط، ومع دخول النساء إلى عالم سياقة المركبات فهو أمر أضحى ضرورة وليس خيارًا بلزوم وضع قانون مُشدد يفرض مخالفات مالية كبيرة عليهم، وكذلك عقوبات بالسجن وسحب رخص القيادة منهم إذا تكررت منهم مخالفات السياقة المتهورة.
وفيما يتعلق بمحور التحرش، فهو كذلك يجب أن يوضع في عين الاعتبار وليس من العقل أو المنطق التغاضي عنه أو بالأحرى عدم الاهتمام به، ومن المهم مواجهته بالطرق المناسبة التي تكفل للمرأة الحق بقيادة سيارتها دون أن تتعرض لمضايقة ولمن يحاول تشتيت انتباهها خلال القيادة، وهو أمر لا سمح الله قد تنتج عنه عواقب كثيرة، وبهذا الخصوص فإن الشيء بالشيء يُذكر، فالمرور مثلاً وضع في الآونة الأخيرة مخالفة لمن يتحدث بالجوال أثناء القيادة وذلك لمكافحة الكثير من الحوادث التي وجد المرور بالتجربة بأنها تقع بسبب انشغال السائق وتشتت ذهنه بالهاتف الخلوي، وعليه فإن انشغال المرأة في تلافي مع يحاول التحرش بها أثناء القيادة هو كذلك الأحرى بسن قانون صارم لمواجهته لضمان أمن نساء المجتمع من شرور فئة هي قطعًا قليلة في المجتمع، ومع قول ذلك فإنه يجب مواجهتها ووضع القوانين الصارمة لجعلها تكف أذاها عن النساء القادمات خلف المقود.
الخطوة التاريخية لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وبمتابعة من ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، سمحت للمرأة بقيادة السيارة بشكل قانوني وعلني ولأول مرة في تاريخ المملكة، تعد خطوة جبارة تنطلق من أهمية تمكين المرأة لتكون شريكًا حقيقيًا مع الرجل في تنمية بلادها والانطلاق بها نحو أفق لمستقبل مشرق، مستقبل منفتح على العالم ومتفاعل معه، مع الاعتزاز والتقيد بالثوابت الشرعية التي هي مصدر فخر وعز قيادة وشعب بلادنا العزيزة.