رقية سليمان الهويريني
اقتحم الطفل الصغير (عمر) سكون أسرتنا وأحالها لصخب لذيذ، وجلبة هادرة! فأجبرني على التوقف عن الكتابة واللجوء لإجازة قبل أوانها! ومع عمر نسيت الحروف الهجائية وتهاوت من ذاكرتي، وتعثرت العبارات، وغابت الأحداث التي تشغلني! فليس سوى الحديث عن وجباته وغياراته وما يرافقهما من كحة وعطسة، وتعجب لا ينتهي، ومشاعر فيّاضة لا يستوعبها القلب فتشترك جميع الأعضاء والحواس على تبادلها!
وحين تختصر تاريخك وتنسى مغامراتك، بل حتى معاناتك، وتتحول لومضات عابرة أمام نظرة حانية لذلك الكائن الصغير الذي لا يبادلك مشاعرك، ولا يقدّر اهتمامك، ولا يمتن لعنايتك به، ولا يكترث بسهرك، أو حرصك عليه، ورغم ذلك تلاحقه لتحظى منه بابتسامة عفوية لستَ فيها المقصود وإنما هي عضلات تتحرك لا إرادياً، فحسب!
حين يحيلك كائن صغير إلى كتلة مشاعر متحركة ويبدد هواجس ثقيلة متجذرة أبت أن تبرح ذهنك؛ فينصرف كل فكرك إلى تنفيذ أعمال متكررة ومتواضعة تشعرك بالإنجاز لأنك قدمت خدمة لطفل عاجز ضعيف القوى وقليل الحيلة.
لم يكن هذا الحفيد الأول لنا بدعاً من الخلق الذين يولدون يومياً وتلفظهم الأرحام لتستقبلهم الدنيا؛ ولكنه حقاً أحدث في حياتي تغييراً شاملاً على الرغم من مقاومتي لذلك التحول الذي أذعنت له! فيما كنت أزعم - قبل قدومه - أنه لن يعبث ببرنامجي اليومي الذي اعتدت عليه وصرامتي في تنفيذه!
وحين أكتب عن حفيدي عمر بن عبد العزيز الحارثي فكأنما أكتب عن أحفادكم؛ فهي ذات المشاعر وهي نفس الأحاسيس التي يحملها كل من رزقه الله بأبناء، وأفاء عليه بأحفاد يراهم امتداداً له، تسكنهم كثير من جيناته، ويحملون بعض أشباهه ونزراً من صفاته، فتحلّق به أجنحة السعادة وتفيض به بحيرات السرور ويطفو على أمواج الفرح.
وما أبسط إنسان يحركه بكاء طفل وتسعده ابتسامته وتطربه مناغاته، فيعود ليسكنه تسامح قد غاب عنه، وفرح أوشك أن يتوارى، وغبطة كادت تضمحل.
وهأنذا أعود للكتابة في زاوية (المنشود) وقد زادت الحروف الهجائية - عندي - حروفاً سيشكلها (عمر) بلثغته الجميلة التي لن أملَّ من تردادها ومشاركته فيها! وقد تعتري كتاباتي بعض التغيير في الشكل والمضمون فإن لمستم ذلك فاعلموا أن الوافد الصغير قد بعثر مشاعري؛ فاعذروني!