د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
في حكمٍ قد نختلف حوله فإن أهمَّ ثلاثة كتبٍ أثّرت في التكوين الثقافي العربي «الجمعي» في مبتدأ ومنتصف القرن الماضي - وفق رؤية خاصة -: «الإسلام وأصول الحكم لعلي عبدالرازق» -1925م، «في الشعر الجاهلي لطه حسين» -1926م، «هذي هي الأغلال لعبدالله القصيمي» - 1946 م، وتأثيرُها نابعٌ من إثارتها كثيرًا من الصخب طال شخوص مؤلفيها ومواقفَهم، مثلما أثرى القراءات المؤتلفة والمختلفة حول السياسة في الدين، وانتحال الشعر والموروث، وقيود الدين على الحرية والإبداع، وما تزال تُدرس بوسمها علاماتٍ فارقةً في محطات التحول المجتمعي حين أباحت نقاش بعض المحرمّات، وما تزال تستقطب من يؤمن بها بيقين مطلق، ومن يناوئها بمثله، ومن يحسبها قابلةً للأخذ والرد.
** وفي النصف الأخير من القرن نفسه (العشرين) لا يمكن تجاوز سيرة محمد شكري «الخبز الحافي» و»الشطَّار» -1982-1992 م التي مهدت الدرب للرواية السيريَّة حين جمعت الفنَّين: «الرواية والسيرة»؛ فاستتر خلف الأولى من خشي المواجهة، وانتشر بالثانية مَن غادر حياءَه فكشف حياته، وفي أوائل القرن كما وسطه ونهايته حكايةٌ عن مصادمة الثوابت المستقرة بحقٍ ودون حق، وبنيَّة الإشهار ومن غيرها؛ فالخروج على التابو المجتمعي والثقافي يُشعل أجواء الجدل بين الخاصة، مثلما يُشغلُ العوام بالمتابعة والمسايرة والتناقل والتداول.
** بقي المؤلفون «الأربعة» ميدانًا للتجاذب وخلدت أسماؤُهم وغيرِهم من ذوي القامات العلمية والمجتمعية ممن خالفوا فاختلف معهم من يُكافئهم، وخلف من بعدهم من شاء الانتشار بمثل ما صنعوا، ولأنهم لا يملكون مهارات أولئك فقد اكتفوا بالجانبِ الشكليّ من المعادلة المتكئ على رفض السائد أو نقضه ولم يعبأُوا بأدواتهم المنهجية وإمكاناتهم الذاتية، ويسرت التقنية لهم وسائط لا تستغرق منهم جِدًا ولا جُهدًا فصاروا يُجدّفون في البحار ولا يهابون التيار، وتكفيهم حروف معدودة ليمرروا نظراتٍ لاهثةً هدفها أن يُعرفوا ولو بلحن القول.
** لا يبدو في الصورة جديد لولا أن كبارًا أحسُّوا الوهجَ ينطفئُ حول شخوصهم ونصوصهم فلجأُوا إلى الغبار كالصغار يستثيرونه أو يُثيرونه بين ساكني العالم الرقمي حتى صاروا من مُفتيه، واكتفوا بظهورٍ سريعٍ ذي أحكامٍ قاطعةٍ يتماسُّ بعضها مع اعتقادات الناس ومتواتر النقل، وتسيدت المدرسة العقلية محاكماتهم، وعبرها جاءت تفسيراتهم لحركة الكون والتأريخ؛ فانتشر بينهم تفسيرٌ جديدٌ للقرآن الكريم وتعطيلٌ عبثيٌ للسنة النبوية وخلخلةٌ لما ثبتت روايته من معجزات كالمعراج، وشاع تشويه رموز الأمة كأبي هريرة وصلاح الدين وابن تيمية مع إعلاء آخرين في موازاتهم، وتجرأَ من ليست لهم وسوم ولا رسوم على القرآن الكريم نفسه فألَّفُوا على نظامه دون خوفٍ من الله أو توارٍ عن عباد الله.
** لكلٍ أن يقول وأن يتقوّل فالفضاء مستباح، والعاقل من استبرأ وتبرَّأ، وإذا كان للنجوميةِ سحرُها فلها سخريتها ممن يهذُون ولا يهدون ويهيمون ولا يهتدون، والعاقبةُ للهادئين الهانئين.
** الشهرة إغواء.