د. فوزية البكر
سعدت كثيراً باختياري من قبل الهيئة العامة للثقافة برئاسة المهندس أحمد المزيد والأستاذ خالد العمير لأكون ضمن الوفد المكلف بإقامة فعاليات الأيام السعودية الثقافية في جمهورية طاجيكستان التي وجدتها بلداً ساحراً بطبيعته الخلابة وبطيبة أهله وقربهم ومحبتهم المفرطة لكل ما له علاقة بالسعودية باعتبارها مهد الحرمين الشريفين وقبلة كل المسلمين.
ولم تبخل المملكة العربية السعودية بفتح كنوزها التاريخية لتعريف الشعب الطاجكستاني بالسعودية بلداً وشعباً فكان أول جناح هو للحرمين الشريفين ولكسوة الكعبة المشرفة ومياه زمزم والذي حاولت البعثة من خلاله التعريف بالخدمات التاريخية التي يقدمها السعوديون حكومة وشعباً للمشاعر المقدسة واستعراض تاريخ المشاريع التطويرية والتوسعات التي ما فتئت تتزايد استجابة للزيادة المطردة في أعداد المسلمين حول العالم كما جاء جناح الملبوسات التقليدية ليجذب انتباه ورغبة المواطنين في تجريب اللباس السعودي سواء الثوب والغترة للرجال أو الملابس التقليدية للنساء فقدم الجناح نماذج للملابس التراثية من شتي أنحاء المملكة وكذلك لعب الخط العربي دوره في اجتذاب الزائرين من خلال رسم أسمائهم بالخط العربي الأصيل واحتفاظهم باللوحات إضافة إلى تذوق تمور القصيم التي قدمتها مشكورة جامعة القصيم وركن الفنون التشكيلية ورسوم الأطفال وقامت على ذلك فنانات سعوديات مبدعات كن ضمن أعضاء الفرق المشاركة.
الموسيقى والرقصات التقليدية من بعض مناطق المملكة حظيت بنصيب الأسد حيث كان واضحاً جداً التجاوب المذهل للجمهور الذي يسمع الموسيقى التراثية السعودية للمرة الأولى ويجد نفسه مشاركاً تلقائياً في التصفيق أو الرقص عليها بحيث يمكن القول بحق إن الموسيقى هي اللغة العالمية المشتركة بين كل شعوب الأرض.
ولا تكتمل الأيام السعودية دون تعزيز للروابط الثقافية والأكاديمية عبر زيارات للمواقع التاريخية والعلمية لإلقاء المحاضرات وعقد الندوات في المتاحف والمكتبات الوطنية للتعريف بالسعودية الجديدة التي تركض بسرعة الضوء لتثبيت أقدامها بين شعوب العالم.
وقامت السفارة السعودية ممثلة بسفير خادم الحرمين الشريفين سعادة الأستاذ عبدالعزيز بن محمد البادي وطاقمه المحترف بتقديم كل سبل العون لبعثة المملكة وتسهيل كافة إجراءاتها فكانوا أسرة ثانية جعلت الزيارة للأهل في طاجكستان ولأهل هذه الدولة المضيافة التي تشرفنا فيها باللقاء والرعاية والتكريم من معالي وزير الثقافة الطاجيكية شمس الدين أورمبيك زادة من أجمل الذكريات.
جمهورية طاجكيستان دولة تاريخية مرت عليها أمم وحضارات وديانات من البوذية للمسيحية للزرادشتية (المجوسية) كما وقعت تحت سلطة عدد من الامبراطوريات مثل المغولية والتيمورية وآخرها الروسية لتصبح بعد انهيار الاتحاد السوفيتي دولة مستقلة عام 1991 ولتقع بعد ذلك مباشرة ضحية حرب أهلية دامية استمرت خمس سنوات حتى قدر الله لها أن تستقر بعد ذلك وتبدأ رحلة النمو والاستقرار.
طاجكستان الواقعة في آسيا الوسطي بلاد جميلة خضراء تمر عليها فصول السنة بوضوح شديد حيث تغطي الثلوج في الشتاء جبالها التي تشغل 90 % من مساحتها لكن درجة الحرارة صيفاً قد تتجاوز أربعين درجة. ورغم تواضع دخل البلاد إلا أنها تتميز بنظافتها المبهرة وبحرص أهلها على العمل الدؤوب ورغم طعامهم الدسم لخرافهم التي ترعي سعيدة في جبالهم التي تغطيها الخضرة وتشقها أنهار تنهمر من أعالي الجبال إلا أن كدهم المستمر وحبهم للمشي وتسلقهم الطبيعي للجبال يحرق كافة الدهون في أجساد نسائهم ورجالهم الرشيقة. هذه البلاد كريمة وديمقراطية من حيث إن الطرق المعبدة والكهرباء والتعليم والمواصلات العامة حق للجميع مهما كان فقرهم ومهما كان بعدهم عن العاصمة الأنيقة دوشنبيه.
90 % من سكان الجمهورية البالغ عددهم أكثر من 8 ملايين هم من المسلمين وهو ما يفسر تعلقهم الشديد بكل ما هو سعودي إذ يحيي ذلك رموز دينية مهمة في ذاكرتهم الجمعية ويبرر بل يؤكد أهمية التركيز على بلدان وشعوب مثل طاجيكستان التي تعتز بعلاقتها مع المملكة وتتوق إلى أن تعرف أكثر عن السعودية والإسلام.
سنري إن شاء الله في فبراير 2019 أيام طاجيكستانية في السعودية كما تم التوقيع على ذلك في هذه الزيارة بحيث يتاح لنا كسعوديين التعرف عن قرب على هذا الشعب بتاريخه وتراثه وموسيقاه وجامعاته وأكاديمياته وهو الأمر الذي يؤكد أهمية التواصل الذي خلقته فعاليات مثل هذه الأيام الثقافية التي تسهم بحق في خلق صورة جديدة للسعودية التي بدأت تتعامل بجدية واضحة مع ما كنا ننادي به دائماً من استثمار الدبلوماسية الناعمة للتعريف بنا حكومة وشعباً وها نحن نرى ذلك على أرض الواقع.
هنيئاً لك أيتها السعودية الجديدة. بدأت أخيراً تملئين العالم بضجيج المعرفة والعلم والفن والتراث.