خالد بن حمد المالك
منذ انطلاق أول بث تلفزيوني بالمملكة في العام 1965م، لم يكن في أي مرحلة من مراحل بثه موضع الرضا من الجمهور إلى اليوم. تزداد مدد البث، وتكثر عدد (القنوات)، ويتغير الوزراء، ومثلهم من توكل إليهم الإدارات في القنوات المحلية، ويبقى الحال على ما هو عليه، (غصب واحد وغصب اثنين) حين كانت هناك قناتان فقط، قبل أن تتوالد قنوات أخرى في الاقتصاد والثقافة والرياضة والأطفال، دون أن تترك جميعها أي انطباع إيجابي، أو متابعة لبرامجها.
**
وعندما كان البث للقنوات العربية والأجنبية لا يصل إلى المملكة، كان على المشاهد أن يتابع القنوات السعودية، لأنها خياره الوحيد، وعليه - بالغصب - أن يفعل ذلك، غير أن نسبة المتابعة تقلصت مع تمكن آلاف القنوات غير السعودية من وصول بثها إلى الديار السعودية، وبالتالي إلى المشاهدين بفضل التقنية، وانفتاح المملكة على العالم، ما جعل المتابعة لقنواتنا مقتصرة على أخبار الأوامر الملكية، والأخبار المحلية الأخرى المهمة ذات الصلة بالشأن المحلي، وحتى هذه لم تعطها الأفضلية على قنوات أخرى غير سعودية تنقل الحدث المحلي بالتزامن مع القناتين الأولى والثانية.
**
حاول كل وزير، وكل مسؤول عن أي من القنوات أن يجدِّد ويحسِّن في المحتوى، وكانت الدولة سخية في الإنفاق عليها، ورصد الميزانيات لها، غير أن الوضع ظلَّ على ما هو عليه، تواضع في المحتوى والإخراج، وشبه غياب عن متابعة التطورات والأحداث المتسارعة في العالم، وعدم توفيق في اختيار الأشخاص من المحللين السياسيين والاقتصاديين وحتى الرياضيين، ما جعل المشاهد ينصرف عنها إلى تلفزيونات أخرى غير سعودية، تقدم له بحسب اهتماماته ما يجد فيها المتعة والثقافة والخبر السريع بأعلى جودة، ومن خلال قدرات إعلامية عالية المستوى.
**
لماذا نقول هذا - متأخرين - فلا يأتي تصنيفنا إلا بعد عقود من الزمن بلغت أكثر من نصف قرن منذ انطلاق أول بث تلفزيوني من المملكة، فيما هناك دول حولنا سبقتنا في ذلك، السبب أن هناك هيئة للإذاعة والتلفزيون بدأ يتم بث النشاط فيها من جديد، وأن هناك قائداً جديداً لها هو داوود الشريان بصلاحيات واسعة، وإمكانات مالية كبيرة، وأن هناك حراكاً مهماً يجري الآن للتغيير والتطوير، سيبدأ مع رمضان بإطلاق قناة جديدة، وأن كلمة (غصب) لن تغيب عن المشهد، فقد تم استحضارها من جديد (إعلانياً) بزخم كبير، وتعمد مقصود، وانتشار غير عادي، بغرض لفت الأنظار، وشد الاهتمام إلى المولود الإعلامي الجديد، ولكن (الغصب) الآن له مدلول غير ذلك المدلول الذي عبَّر بسخرية عن استياء المشاهدين من مستوى القنوات المحلية آنذاك.
**
أريد أن أذكِّر بأن قرار إنشاء هيئة الإذاعة والتلفزيون، وفك ارتباطها بوزارة الثقافة والإعلام، واقتصار هذا الارتباط على رئاسة وزير الثقافة والإعلام لمجلس إدارتها، مع استقلالها مالياً وإدارياً وعملاً إعلامياً تمَّ حين كان وزير الإعلام الدكتور فؤاد عبد السلام الفارسي، لكنه لم يفَعِّل القرار، ومن بعده الأستاذ إياد أمين مدني، الذي حافظ كما فعل سلفه على الهيئة دون أن يكون لها استقلالية عن الوزارة، كما ينص على ذلك قرار مجلس الوزراء، ويبدو أن الفارسي ثم المدني كانا حريصين على الإمساك بكل مفاتيح السلطة في القنوات، وعدم التفريط فيها، أو السماح بأن تكون بعيدة عن نفوذهما.
**
وحده الدكتور عبد العزيز خوجة الذي ما أن أصبح وزيراً للإعلام خلفاً لأياد مدني حتى باشر العمل على تفعيل قرار مجلس الوزراء القاضي بتأسيس هيئة الإذاعة والتلفزيون، فاختار لها عبد الرحمن الهزاع رئيساً، والاكتفاء كوزير للإعلام بأن يكون رئيساً لمجلس الإدارة تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء، دون أن يسمح لنفسه بالتدخل في شؤونها، إذ منح كل الصلاحيات لرئيس الهيئة عبد الرحمن الهزاع الذي لم يستثمر خبراته وصلاحياته والإمكانات التي كانت بين يديه في تطوير مستوى القنوات. غير أن الدكتور عادل الطريفي ما أن كُلِّف بحقيبة وزارة الثقافة والإعلام، حتى استعاد الهيئة، وأعاد الوضع إلى ما كان عليه قبل تأسيسها، فيما أن الوزير الحالي الدكتور عواد العواد نأى بنفسه عن احتكار الوزارة للقرار والصلاحيات في الهيئة كما فعل عادل الطريفي، إذ إنه أعاد لرئيسها الشريان كل الصلاحيات وهذا هو عين الصواب.
يتبع