د.ثريا العريض
أيام ونصل إلى الشهر الفضيل وشهر الصيام, بشوق مستدام منذ أدركناه في الطفولة موسما يحمل تفاصيله الخاصة مبجلاً بين الشهور. بلغنا الله وإياكم وأحبابنا الأقربين وجميع المسلمين إتمام أيامه وصيامه وقيامه وأداء متطلباته ومهامه. فكل عام ونحن بعالمنا الإسلامي بخير وصحة ورضى.. ونطمح لسلام يعمنا كونيا.
لكل منّا ذكريات حميمة ترتبط بشهر رمضان والروحانية التي يحملها للجميع. منها مثلاً أول يوم أصومه في حياتي في سن السابعة.. حاولت قريبتي الأكبر مني أن تغششني رحمة بي وتقنعني أن جرعة ماء في منتصف النهار لا تفسد الصيام للصغار, ولكنني لم أقتنع بمنطقها وأصررت على إكمال الصوم حتى أذّن المغرب وأنا أغالب الإغماء.
ومن ذكريات رمضان أن أول مقالة منتظمة لي نشرت في أول رمضان كبداية لزاوية يومية لم أكتب قبلها شيئاً للنشر في صحيفة, ولا حتى رسالة في بريد القراء. ولم أكن أقرأ في الصحف إلا المواد الإبداعية الأدبية من شعر وقصص قصيرة وتناولات نقدية. أما الأخبار فتنقلها نشرات الأخبار قبل نشرها لاحقاً في الصحف اليوم التالي.
كتبت الشعر منذ الطفولة ولم أنشر قصائدي إلا أثناء الدراسة في الخارج بمجلة الكلية ثم الجامعة, وفي الملاحق الأدبية بالصحف والمجلات المحلية بعد العودة للوطن, ووجدت من القراء والنقاد تقبلاً مرحباً. لعلها ما لفت الانتباه لي كمثقفة دجنت القلم. ولكني حين طلب مني أن ألتزم بزاوية صحفية لم أتحمس, وترددت في الموافقة.. وقبلت بعد لأي وكثير من الإقناع. ووجدت في الكتابة الصحفية تحدياً يستنفر مهارة جديدة في وضع يختلف عن تفجر القصيدة عفويا غير مقيدة بشروط محسوبة مسبقاً ولا قيود أو ضوابط أو أغراض سوى احتدام دافع التعبير عن مشاعر ذاتية.
بدخول رمضان هذا سيكون قد مر 30 عاماً منذ بدأت بزاوية «بيننا كلمة» في شهر إبريل 1988 في غرة رمضان, ملتزمة بالكتابة يومياً. ومع الكتابة كان لرمضان ذاك مذاق متفرد. أول مقالة فصلت مدى تأثري بمشاهدة مسافرين بالسيارة من الدمام للرياض يتوقفون لأداء الصلاة في وقتها, على جانب الطريق دون أن يكون هناك من يستحثهم. واستشهدت بتصريح للشيخ ابن باز -رحمه الله- حول الالتزام بالصلاة بدافع ذاتي.
أوفيت بالتزامي للزاوية 5 سنوات, ثم حلقت في آفاق مطبوعات متعددة محلياً وعربياً حتى استقررت منذ 2010 في «حوار حضاري» حيث أحاوركم الآن, وما زالت روح كلمتي شابة تتوثب بشغف لمواصلة بناء المستقبل.
في البداية كشابة متخصصة في التخطيط, وخارج إطار الزمن المحلي وجدت في الكتابة شرفة تنفيس عن الضغوط الذاتية للمرأة, ومتعة خاصة أشارك فيها القارئ أفكاري وأحاوره عن انفعالي بتفاصيل المجتمع والوطن وأرسم أوضاعه كما تعيشها وتعانيها.. ثم ذات يوم وصلني بالصدفة أن الأمير سلمان أمير الرياض يقرأ زاويتي ضمن خياراته الصباحية. وأحسست فجأة بأني أحمل مسؤولية جديدة. حيث أدركت أن للكتابة دوراً أهم مجتمعياً, وهو تنبيه القارئ صانع القرار إلى تفاصيل مهمة تلقي الضوء على احتمالات حيوية ممكنة قد لا تكون متضحة إلا للمتخصص, وتوحي بالوجهة الأفضل في الاختيار قبل اتخاذ القرار.. مسؤولية مصيرية تتعدى التكليف الرسمي.
استحدث الفيسبووك مؤخراً خدمة جديدة تستعيد بعض ما كتب ونشر قديماً في حسابات المشاركين, تغمرني بالنوستالجيا والكثير من الفرح حين أعود لقراءة بعض ما كتبت أو أعدت نشره لزملاء وزميلات القلم في زمن مر.. حيث, إذ تعيد المقالات والتعليقات لذاكرتي مرارة الألم في المطالبات القديمة بتغيير في الأوضاع يرفع عن المواطنين والمواطنات معاناتهم من تفاقم الغلو, أعود سعيدة للواقع وحلاوة مبادرات التحوّل. وإذ أستعيد مذاق مشاعرنا تلك الأيام, أرى باقتناع تام أن الكثير من أحلامي الخاصة والعامة بدأ يتحقق. وربما الأهم أن أفق الحلم مشرع الشرفات. وأقول «الحمد لله» أن الأمور تحسم للأصلح, فالحاضر أجمل من أمس والغد واعد بالمزيد. اللهم أسألك بحكمة مشيئتك: زدنا تحوّلاً.. وبارك.