د.عبدالله مناع
أخيراً.. وبعد تسع سنوات - من آخر انتخابات نيابية لبنانية - شهد لبنان يوم الأحد الماضي -السادس من شهر مايو الجاري - أول انتخابات برلمانية جديدة.. بعد ذلك الصمت والصيام الديمقراطي الطويل.!! الذي جعل من المجلس النيابي اللبناني السابق.. أطول المجالس النيابية عمراً، وجعل من أعضائه (نواباً عظاماً).!! بتلك المدد التي طالت بهم وبـ (بقائهم) في مقاعد (التشريع) ورقابة الحكومات والوزارات والوزراء ومساءلتهم لثلاثة عشر عاماً، وقد أعجبتهم - فيما يبدو- تلك التمديدات المتلاحقة لـ (دورات) عضويتهم دون تكئة شرعية.. إلا في حالة التمديد.. انتظاراً للتوصل إلى اتفاق حول (قانون الانتخابات) الجديد، الذي تم إنجازه أخيراً عام 2017م، والذي حل محل القانون الانتخابي القديم.. الذي جرى العمل به منذ تأسيس (الجمهورية اللبنانية) عام 1920م.. أي قبل مائة عام تقريباً!! إذ يقوم القانون الانتخابي (الجديد) على تقسيم لبنان بملايينه الأربعة تقريباً.. إلى خمس عشرة دائرة انتخابية، لكل منها عدد من المقاعد.. بحيث يصبح إجمالي عدد النواب في النهاية (128) نائباً.. وكما هو الحال في قانون الانتخابات السابق أو القديم: بواقع (19) مقعداً لـ (بيروت الشرقية والغربية)، وثلاثة وعشرين مقعداً لـ (البقاع)، وتسعة وثلاثين مقعداً لـ (جبل لبنان)، وثمانية وعشرين مقعداً لـ (الشمال اللبناني).. طرابلس وعكار، وثلاثة وعشرين مقعداً لـ (الجنوب اللبناني) صيدا والزهراني ومرجعيون، وهو ما يعني: أن أكبر مهام المجلس النيابي.. وهي: انتخاب رئيس الجمهورية من القيادات المسيحية، و(المصادقة) على تكليف «الرئيس» لأيّ من القيادات السُنية بـ (تشكيل) الحكومة.. ستبقى على ما كانت عليه في قانون الانتخابات السابق، ووفقاً لما يقوله الخبراء في الشأن اللبناني: (أن هذه الانتخابات لن تغير الكثير في النظام السياسي القائم.. المبني على مبادئ (العائلية) و(الولاء المذهبي)، وإن (اختلف تشكيل البرلمان الجديد عن البرلمان الحالي.. إلا أن النخبة السياسية ستظل نفسها في السلطة) مع سيطرة للشيعة (حزب الله وأمل) مع حلفائهما على ثلثي المقاعد.
وإن أسوأ ما في هذه الانتخابات النيابية اللبنانية الجديدة.. هي أنها عُقدت تحت القانون الانتخابي الجديد، وهو ما سيقيم (المجلس) شرعيته عليه.. وكذلك بعض النواب الجدد شريعتهم المفتقدة.. كما قال بعض خبراء الشأن اللبناني.. بينما ظل بعض خبراء الشأن اللبناني على اعتقادهم.. بـ (أن المجلس القديم) أو الجديد ليس بأكثر من (ديكور)! وأن جميع القرارات الرئيسية تأتي نتيجة لاتفاقات وتنازلات بين قادة (الطوائف).
على أيّ حال.. يخشى بعض الخبراء اللبنانيين.. من أن يتحول بلدهم (لبنان) (الصغير) و(الضعيف) كما قال الزعيم «وليد جنبلاط».. ليصبح مسرحاً لـ (صراع) بين قوى إقليمية كبرى، يتكتمون الإعلان عن تسميتها في معظم الأحايين، ويجاهرون بها في أحيان قليلة، ولذلك فإنه يخشى الآن وبعد أن جرت الانتخابات.. وقد كانت طوال تسع سنوات مضت تتأرجح بين إجرائها وعدم إجرائها.. فمن سيكلف بـ (تشكيل) الحكومة اللبنانية (الجديدة)..؟ هل هو رئيس الحكومة السابق (سعد الحريري)، زعيم تيار المستقبل كما هو متوقع الذي فقد في هذه الانتخابات عدداً من المقاعد في البرلمان الجديد، وقد كان مجموع مقاعده.. ثلاثة وثلاثين.. هبطت إلى واحد وعشرين أو ثلاثة وعشرين مقعداً.. فهل يؤثر هذا الانخفاض سلباً على إمكانية (تكليفه) بتشكيل الحكومة من قبل الرئيس عون..؟.. أم أن الرئيس ميشيل عون سيقف إلى جانب (مصلحة) لبنان.. فيعيد تكليف (سعد الحريري)..؟ ولكن قبل هذا وذاك.. من سيكون رئيساً لـ (لمجلس النيابي) الجديد الذي يتم بالتصويت: هل هو السياسي اللبناني (نبيه بري).. أم شخصية لبنانية أخرى جديدة على (توليفة) السلطة المعروفة في لبنان..؟!.
لقد أدرك الشارع اللبناني.. وهو شارع من أكثر شوارع الأمة العربية: نضجاً ووعياً سياسياً! فهو ينام ويصحو على السياسية.. وهو - في كل الأحوال - أشد إدراكاً في معرفة أين تكمن مصالحه؟.. وكيف السبيل للوصول إليها؟.. ويكفى أن نتذكر.. أن اللبنانييين موجودون - ربما - في كل بقاع العالم، فهم موجودون في «باريس» و»لندن».. كما هم موجودون في (لوس انجلوس).. كما هم موجودون في (البرازيل) و(تشيلي) و(الأرجنتين).. كما هم موجودون في غانا وغينيا وجنوب إفريقيا والسنغال.. كما هم موجودون في (طوكيو) و(سيؤول) وفي استراليا و(نيوزيلندة) سعياً وراء (مصالحهم) التي قد تكون (علماً) أو تجارة.. أو أدباً وفكراً أو فناً، فلا أظن أن أحداً ينسى مغامرات الرسام والشاعر والأديب العلم: جبران خليل جبران.. ورحلاته الشاقة بتلك المراكب المتواضعة إلى «باريس» و»بوسطن» في الثلث الأول من القرن العشرين.. ليدرس ويتعلم وليبحث لنفسه عن فرص للعيش، ليعود بعدها وقد أصبح علم أعلام الأدباء والشعراء في لبنان. إلى جانب صنوه الكاتب والفيلسوف اللبناني الشهير (أمين الريحاني).
ولأن الشارع السياسي.. كما يقول بعض الخبراء اللبنانيين - أدرك بوضوح شديد: بأن (لبنان) يعيش تنافسياً بين (مشروعين سياسيين): ما يسمى خطأ بـ (مشروع المقاومة) وتدعمه إيران؛ يقابله مشروع تدعمه دول الخليج، ويمثل (مصلحة لبنان) في النهاية.. وسيكلف - كما نتوقع - الرئيس عون رئيس الوزراء السابق (سعد الحريري) رغم تراجع كتلته في الانتخابات، وسيجد فقهاء الدساتير أو (ترزية) الدساتير - كما يقول أشقاؤنا المصريون - ألف (مخرج) ومخرج لتكليفه بـ (مهمة) تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة.. والتي لن تكون - سهلة هذه المرة - كسابقتها.. حيث لم يعد مع حلفائه يمثلون الثلثين في مجلس النواب، خاصة أن تكليفه بتشكيل الحكومة اللبنانية السابقة.. التي عاش معها (لبنان) طوال عامين ونصف العام في (بحبوحة) خليجية و(دعة) فرنسية، وهو ما يتمناه مجدداً كل محبي لبنان وأرضه وإنسانه.
عندما علمت لأول مرة بأن الانتخابات النيابية اللبنانية الجديدة ستجرى في شهر «مايو» كنت من أسعد الناس بذلك، لمعرفتي بما يعنيه (شهر مايو) في أجندة الدول السياحية؟، فقد ارتبط شهر مايو.. في ذاكرة المدن السياحية.. بأنه شهر الاستعداد لاستقبال (المصيفين): بـ (إعداد) المنازل والفنادق والمطاعم والمقاهي ودور السينما والمسرح، وتجميل (الحدائق).. وتنظيف (الشواطئ).. لتكون جميعها على أهبة الاستعداد لاستقبالهم، فـ (لبنان) الذي وصفه زعيم الحزب الاشتراكي اللبناني: (وليد جنبلاط).. بـ (الصغير) و(الضعيف) أحوج ما يكون لهؤلاء السيّاح صيفاً وشتاء..!!.
أما وقد أعلنت نتائج الانتخابات رسمياً وفق القانون الجديد (النسبي) الذي يبدو أنه صمم ليعطي الأكثرية النيابية لتحالف أحزاب: (التيار الوطني الحر وحركة أمل، وحزب الله، والمردة) للحصول على أكثر من ثلثي مقاعد البرلمان ليسيطروا على الحكومة؛ وهو ما لم يحقق لهم، إذ إن لدى النواب الوطنيين أكثر من ثلث المقاعد النيابية، بمعنى أن لديهم القدرة (دستورياً) على تعطيل القرارات التي لا تتوافق مع المصلحة اللبنانية، لذا فإن القانون الجديد لن يجلب السعادة المفقودة للبنانيين إذا ما تم الالتفاف والتلاعب بحق الثلث المعطل.
وأريد أن أذكِّر من يهمه معرفة ما وراء هذه النتائج، بأن الجولة الحاسمة ستكون بعد تسمية رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء، ومن ثم المعركة الحقيقية بتشكيل مجلس الوزراء بناءً على الكتل النيابية وتوزيع الوزارات السيادية.. فقد تسير الأمور بالتوافق، وقد يتم الالتفاف والتلاعب على حق الثلث المعطل، ولكن هناك سوريا وإسرائيل اللتين قد تغيّران خارطة التحالفات.. وعلينا أن ننتظر.