خالد بن حمد المالك
أوفى الرئيس ترامب بوعده بالانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي الإيراني، وأكد أنه سيأخذ بأعلى مستوى من العقوبات ضد إيران ومَن يتعاون معها نوويًّا، واستخدم منذ إعلانه الانسحاب لغته الخاصة؛ إذ وصف الاتفاق بأنه (كارثي)؛ فقد مكَّن إيران من أن تواصل تخصيب اليورانيوم، كما سمح للدول في المنطقة بالتفكير للدخول في سباق تسلُّح نووي، فضلاً عن أن الاتفاق يفيد إيران في دعمها الإرهاب، وزعزعتها الاستقرار.
* *
كان الموقف السعودي هو الأهم والأبرز في تفاعله مع قرار الانسحاب الأمريكي؛ فقد أعلنت المملكة دون تحفُّظ -بوصفها أول دولة تُفصح عن موقفها- تأييدَهَا وترحيبها بانسحاب أمريكا من الاتفاق النووي الإيراني، وأنها تؤيد ما تضمَّنه إعلان الانسحاب من إعادة فرض للعقوبات الاقتصادية على إيران، التي سبق أن تم تعليقها بموجب الاتفاق النووي.
* *
كانت المملكة قد أيَّدت الاتفاق المبرم بين الدول الست وإيران في العام 2015م. وقد بُني التأييد آنذاك على قناعة المملكة التامة بضرورة العمل على كل ما من شأنه الحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل في منطقة الشرق الأوسط والعالم، إلا أن إيران استغلت العائد الاقتصادي من رفع العقوبات عليها في الاستمرار في أنشطتها المزعزعة لاستقرار المنطقة، خاصة من خلال تطوير صواريخها الباليستية، ودعمها الجماعات الإرهابية في المنطقة، بما في ذلك حزب الله في لبنان، ومليشيا الحوثي في اليمن؛ فكان التأييد للانسحاب الأمريكي كما جاء ذلك في بيان المملكة.
* *
فإذا كانت صواريخ إيران الباليستية قد تم تطويرها وإنتاجها بكميات كبيرة بفضل العائد الاقتصادي، والإفراج عن الأموال الإيرانية المجمدة نتيجة هذا الاتفاق الكارثي المذل للدول الست، فإن هذا أكبر دليل على أن إيران لم تتوقف أنشطتها في دعم الإرهاب، مع الهروب من أيّ التزام في الاتفاق يحول دون استمرارها في دعم الجماعات الإرهابية؛ بدليل إمدادها الحوثيين في اليمن بالصواريخ الباليستية لاستهداف المدنيين في المملكة واليمن، والتعرُّض المتكرر لممرات الملاحة الدولية، ودعمها نظام الأسد في سوريا، الذي ارتكب أبشع الجرائم ضد شعبه؛ إذ قتل أكثر من نصف مليون مدني باستخدامه الأسلحة الكيميائية، وذلك في انتهاكٍ صارخٍ لقرارات مجلس الأمن.
* *
المملكة زادت في بيانها على ما قاله الرئيس الأمريكي، وما نصّ عليه قرار الانسحاب؛ فقد طالبت بضرورة معالجة الخطر الذي تشكِّله سياسات إيران على الأمن والسلم الدوليَّين بمنظور شامل، لا يقتصر على برنامجها النووي، بل يشمل أنشطتها العدوانية كافة، بما في ذلك منعها من التدخُّل في شئون دول المنطقة، ودعمها الإرهاب، وأن يتم قطع السُّبل كافة نهائيًّا أمام إيران لحيازة أسلحة الدمار الشامل.
* *
على أن الموقف الذي يأخذ بمبدأ التهدئة من قِبل شركاء أمريكا في الاتفاق النووي يغيب فيه أن إيران لا يصلح معها إلا التعامل بالقوة، وحرمانها من أي فرصة لامتلاك أسلحة الدمار الشامل؛ فهي دولة مارقة وخطيرة، ولا تلتزم بمبدأ حُسن الجوار، بل إنها توظِّف إيرادات الدولة في مؤامراتها وزعزعة الاستقرار في المنطقة والعالم بدلاً من إسعاد الشعب الإيراني المغلوب على أمره.