د. حمزة السالم
تتلخص السياسة المالية في عمل خطط تسعى لمساواة الدخل الحكومي بالإنفاق الحكومي. ومعضلة السياسة المالية في دول النفط، أنها لا تتحكم في الدخل، فسوق النفط دولية. وحل هذه المعضلة في الاحتياطيات النقدية، فهي تمتص الطفرات وتغذي الانحسارات. أما المعضلة العويصة، فهي معضلة الإنفاق في هذه الدول. وذلك في كونها تعتمد على الاستيراد. فالإنفاق الحكومي، لن يحقق دوره في نمو اقتصاد استيرادي، ولن يُحفز العرض. فعرض هذه الدول عرض استيرادي. فإنفاق هذه الدول يسهم في تحفيز عرض الدول المنتجة المصدرة.
وباختصار، فالسياسة المالية هي التدخل الحكومي في الاقتصاد بعكس اتجاهه. فعند الانكماش الاقتصادي الإنتاجي وعزوف الناس عن الاستثمار والاستهلاك، تتدخل الحكومة تدخلاً مباشرًا وغير مباشر. فالتدخل المباشر يكون بدخولها كمستثمر، وذلك بالإنفاق على المشاريع البينية والسلعية والخدمية عمومًا، فتخلق الحكومة -بهذا التدخل المباشر بالإنفاق- طلبًا للمنتجين، الذين سيوظفون عمالة ويستهلكون مواد، فتتحرك كرة ثلج الاقتصاد، طالما أن العمالة والمواد محلية وما يستهلكه المجتمع، ليست مستوردة.
وأما أثر السياسة المالية غير المباشر على الاقتصاد، فيكون عن طريق تخفيض الضرائب وزيادة الإعانات لتحفز إنتاج المنتجين بتخفيض كلفة الإنتاج عليهم، فيزيد الإنتاج فيزداد بذلك مستوى العرض العام للسلع والخدمات، وترتفع الأسعار.
والعكس صحيح في حالة الطفرات الاقتصادية. فتقلل الحكومة الإنفاق والإعانات وتزيد الضرائب لتكبح جماح الطفرة الاقتصادية وتخفض الأسعار. وذلك كله في الاقتصاد الإنتاجي.
أما في الاقتصاد الاستيرادي فزيادة الضرائب في دولة مستوردة، لن تحد من نمو الدول المصدرة، بل تسهم في زيادته، وبالتالي لن تكبح جماح الأسعار في تلك الدول. لذا تجتمع زيادة الضرائب مع التضخم في الاقتصاديات الاستيرادية، بلا أزمة ولا حرب.
وبما أن عمل السياسة المالية يصب في الإنتاج الحقيقي، فإن نتائجها الكاملة لا تظهر إلا على المدى البعيد، فهي التي تحقق استمرارية النمو، وذلك في وجود الإنتاج أو البيئة الإنتاجية، وذلك بعكس السياسة النقدية في الاقتصاديات الإنتاجية.
فالسياسة النقدية تعمل لتحديد مستوى كمية النقود في المجتمع الاقتصادي بحيث تتوافق مع كمية الإنتاج. والدول ذات الإنتاجية المعتمدة على الموارد الطبيعية أو المتجانسة، أو كلاهما كالمعادن وكالنفط، لا بد لها من ربط عملتها بالدولار. فليس لعملتها قيمة في السوق الدولية، مادام أن بضاعتها تباع وتُسعر بالدولار. فإنما تكتسب العملة قيمتها الدولية من قيمة منتجات سوقها، غير المتجانسة، والتي تعتمد في إنتاجها نسبيًا على العمالة.
ومعضلة السياسة النقدية في هذه الدول كمعضلة الإنفاق في سياستها المالية. فتسهيل النقد، ما هو إلا استهلاك للاحتياطيات، فالسيولة في أسواقها، لا تحفز إلا طلبًا استيراديًا.
وآثار السياسة النقدية تظهر سريعًا في دفع عجلة الاقتصاد الإنتاجي أو كبحه، ولكنها لا تحقق استمرارية النمو، ولذا تضيع فاعليتها في المدى المتوسط والبعيد.
فعمل السياسة النقدية هو التحكم في المعروض النقدي. والنقد ليس إنتاجًا حقيقيًا، فهو مجرد أرقام عدمية، لا تؤكل ولا تركب ولا يُستشفى بها. ولكن هذا المفهوم يكون في الاقتصاديات الإنتاجية.
أما في اقتصاديات النفط، فالمعروض النقدي في الواقع يمثل الإنتاج الحقيقي. فهو مقابل الدولار، والدولار مقابل النفط. لذا فتسهيل النقد وتوفيره للمجتمع الاستيرادي النفطي، يدفع المجتمع لاستهلاك إنتاجه، وذلك باستهلاك احتياطياته الأجنبية، التي هي نتاج النفط.