نادية السالمي
حتى لا نتفاجأ من انهيار مكعب السكر علينا إدانة درجة الحرارة ودور الملعقة..
أهمية الهوية:
كغيرهما من أصحاب الفكر يجتمع «ابن خلدون» و»الرافعي» على فكرة أن بقاء اللغة هو بقاء للهوية، والأمة التي تتنازل عن لغتها لا تفسح المجال فقط للغة أخرى تحل محلها، بل تعطي ماهو أكثر من هذا، إنها تعطي «قيادة الأمة». يقول «ابن خلدون: «اعلم أن لغة أهل الأمصار إنما تكون بلسان الأمة، أو الجيل الغالبين عليها أو المختطين لها» أما «الرافعي» فيقول بأسلوب يشير مباشرة إلى الوجع: «ما ذلت لغة شعب إلا ذل، ولا انحطت إلا كان أمره في ذهاب وإدبار..». خرج المستعمر من الأرض بعد أن تربعت لغته في ثقافة العرب وتمكنت من ألسنتهم، بعذر العولمة، وتلقي العلوم، والتسلية، والركض وراء لقمة العيش، فاستسلم العرب لهذا التماهي. تسعى كل الأمم إلى المحافظة على هويتها من خلال اللغة، فهي الأداة العتيقة الحديثة لمقاومة العزلة وطي الآخر تحت جناحها، بينما العرب لا مشروع لهم حقيقي لمقاومة الذوبان في لغة الآخر، حتى داخل أوطانهم، ولولا القرآن ربما نسيت اللغة العربية تمامًا. في أواخر عهد الدولة العثمانية أنشئت المدارس لمقاومة الأمية في الحجاز باللغة التركية في المرحلة الابتدائية والتحضرية، وفي عصرنا الحديث عادت اللغة التركية من جديد تشد انتباه الجيل من خلال المسلسلات والأفلام، وإجبار السائح في تركية على التحدث بالتركية ليتمكّن من التواصل مع أهل البلد والتبضع. ومن نماذج محافظة الأمم على هويتها ما فعله الفرنسيون حين أحسوا بأن اللغة الإنجليزية أصبحت تهيمن حتى على الفرنسية بعد الحرب العالمية الثانية، فأنشأت التحالف الفرنسي الفرانكفوني لنشر اللغة الفرنسية، وكوّنت لجانا للدفاع عن اللغة الفرنسية، وفرضت غرامة مالية لمن يتحدث بغير الفرنسية في الإعلام، والندوات، وحتى لافتات المعارض.
تناقض sbc :
أمام الجهود الحثيثة لشد الانتباه للتلفزيون السعودي تُصدم كيف لهذه الجهود أن تغفل عن الهوية في اللغة، فتسمي بعض القنوات بحروف مختصرة للغة غير تلك اللغة الرسمية التي من المفترض أن تنطق بها القناة، على الرغم من صدور أمر ملكي باعتماد اللغة العربية في المؤتمرات والمحافل الوطنية، فكيف لا يتم تطبيق هذا في مؤسسة حكومية، داخل الوطن وكيف لها أن تتهاون بهذا؟!.
الاسم الجديد للقناة الثقافية التي نرجو أن تهدف إلى تقديم برامج هادفة تتناسب مع تقاليد وقيم الأسرة السعودية، لن تكون بالاسم الأجنبي أسرع وأفضل بعذر إنها هي اللغة المعتمدة في التسويق والإعلان، ولن نواكب بهذه التسمية روح التطوير التي أطلقتها رؤية 2030، على الصعيد الثقافي والاجتماعي والترفيهي. استخدام هذه الحروف يتناقض مع مفهوم اعتزاز المرء بهويته، وما لم يعتز المرء بهويته لن يستطيع أن ينتج ويعطي وطنه، لن يؤمن بثقافته ولن يسعى إلى نشرها وتعريف العالم بها. قد يتثقف وينتج ويتفاعل لكن من أجل أن يرضي غيره، ويتماهى معه بدراية ودون دراية.
«أخرجوا المستعمر من أنفسكم»:
الوطن الذي يعتز بلغته يعتز بهويته، لأنها قضية مصيرية، ويفرض على الآخرين احترامها، واللغة العربية من مكونات الشخصية العربية، وهي ليست عاجزة عن مواكبة النهضة والانفتاح وتلقي العلوم والتقنية.
ويُساء للغة العربية بأكثر من هذا حين ننظر إلى اللوحات الإعلانية وهي مكتوبة بحروف عربية لكلمات أجنبية، وهذا أصبح دارجًا حتى في القنوات الفضائية التي تميل كفتها لاستعمال اللغة الأجنبية أو العامية!.
لدينا خطأ في فهمنا لهويتنا واعتزازنا بسمات الشخصية العربية علينا أن نتعاون لإصلاحه وتلافي عواقبه. لماذا لا يتم تسهيل طرق تدريس ودراسة اللغة العربية في المدارس والجامعات والمعاهد، بدلًا من تلك الطرق البالية التي عقّدت اللغة في أذهان أبنائها، ولماذا لا نعمل على مشروع يتم فيه ترجمة العلوم وتعريبها، فالجامعات في دول أوروبا واليابان، وغيرهم من الأمم تُدرِّسُ العلوم بكافة أنواعها بلغتها، فما الذي ينقص العالم العربي؟!.
معرفة لغة الآخر مهمة لكنها خطر لا شك فيه إذا أصبحت ظاهرة طبيعية في القنوات الفضائية والشوارع، وأحاديث الناس.