محمد عبد الرزاق القشعمي
لفت نظري ما نشرته مؤخراً الدكتورة سارة عابد خزندار، وهو كتاب لم يكتمل من إعداد والدها يحمل عنوان (قصاصات عبد الله عبد الجبار).
قال عابد خزندار عن عبد الله عبد الجبار في تقديمه للكتاب: «... ثم عاد إلى جدة، وكنت أزوره في فلّته في حي الأمير فواز بعد مغرب بعض الأيام، وكان يختلف إلى بيته الكثير من تلامذته وأصدقائه، ومرت الأيام، وفي إحدى الزيارات وقبل أن يموت بعامين، أعطاني عدة دفاتر وقال لي: «.. احتفظ بها فإنني أخشى أن تضيع بعد وفاتي، وعندما عدت إلى منزلي وجدت أنها تحتوي على القصاصات التي كان يقصها من الصحف والمجلات مع مختارات من الشعر والتعليقات على الأحداث، وكذلك بعض مذكراته، ولم يوصني بنشرها، ولكنني أنشر القصاصات الآن لأنها انطباعات إنسان عاش التاريخ الذي كتبت فيه وتفاعلت معه، وأعتقد أن نشرها يلقي ضوءا على أحداث هذا التاريخ، كما يلقي ضوءاً على شخصيته ككاتب ومناضل.. ».
وقد وجدت ضمن هذه القصاصات ما كتبه محمد سعيد العامودي رئيس تحرير مجلة الحج عن محمد عمر عرب بعد وفاته. في العدد 22 الصادر بتاريخ 16 / 5 / 1375هـ وعلق عابد خزندار على المقال بقوله: «محمد عمر عرب من أدباء الرعيل الأول في الحجاز، وهو يستحق الإشادة به... وهو ممن اشتهروا بنزاهتهم وتعففهم.. ».
وقال العامودي: «... في يوم الأربعاء الموافق 6 جمادى الأولى سنة 1375هـ توفي إلى رحمة ربه الأديب الكبير الأستاذ محمد عمر جميل عرب رئيس ديوان وزارة الصحة، وأحد الرائدين الأوائل المرموقين من رواد الحركة الأدبية والفكرية في هذه البلاد.
ولقد كان الحزن عظيماً لفقده.. وتأثر لوفاته الجميع وكان أول من أعرب عن هذا الحزن في تأثر بالغ ومزيد من العطف وأشاد بما امتاز به هذا الفقيد الكريم من شخصية محبوبة وأخلاق رفيعة.. صاحبي المعالي الشيخ إبراهيم السليمان رئيس ديوان رئاسة مجلس الوزراء.
ونعاه كذلك في جريدة البلاد السعودية صاحب المعالي وزير الصحة الدكتور رشاد فرعون، مما دل على مكانته في نفوس رؤسائه وعارفيه.
وقد ولد الفقيد في عام 1318هـ وكان في طليعة متخرجي مدرسة الفلاح المكية عام 1337هـ فاشتغل بالتدريس عاماً واحداً في مدرسة فلاح جدة ثم عاد منها حيث باشر أولى وظائفه الحكومية عام 1339هـ.
وظل يتدرج في مختلف الوظائف الهامة إلى أن أسند إليه في عام 1371هـ منصب رئيس ديوان وزارة الصحة.. فعرفه الناس في هذا المنصب - كما عرفوه من قبل في جميع المناصب والوظائف - مثالاً رائعاً للموظف المثقف الكفؤ.. والإداري المرن الواسع الأفق والرجل المهذب اللبق ذي الخلق المتزن الرصين.
وعرفوه هو هو .. لم تغيره الوظيفة أو المنصب في كثير أو قليل!
وما أكثر ما رأينا من أناس تغيروا جداً.. بمجرد أن وصلوا إلى أقل مما وصل إليه عمر عرب في مراحل حياته الوظيفية وما أتيح له فيها من مكانة وتقدير.
والحق أن كل من خالط محمد عمر عرب، أو اتصل به من قريب أو بعيد يعرف جيداً من هو هذا الأديب الإنسان: في جميع صفاته الحميدة.. في وداعته ولطفه وظرفه ونزاهته وإخلاصه وتواضعه، إلى جانب روحه الأدبية الأصيلة، وشاعريته القوية المحلقة، وثقافته العميقة، وترفعه عن السفسطة والتهريج..
وبعد فإن محمد عمر عرب ذلك الأديب المطبوع، والرائد المرموق، والمربي، والموجه. لا أنسى أني أحد من تتلمذوا عليه في دروس خاصة عن الأدب الحديث في حصة إضافية كان قد تطوع لإلقائها لعدد معين من الطلاب بعيد عصر كل يوم في مدرسة فلاح مكة بعد أن ترك التدريس في جدة، وكنا آنذاك في أواخر سنوات التحصيل.
ولا أنسى ما كانت تتسم به دروسه في تلك الحصة.. من طرافة وحيوية وجاذبية، ولا أبالغ إذا قلت إن دروسه تلك كان لها أعمق الأثر في إيقاظ أوليات الوعي الأدبي، في نفوس أولئك الطلاب!
ولا أنسى أنه عن طريق تلك الدروس - وقد كان يخلو من مثلها البرنامج المدرسي بطبيعة الحال في ذلك العهد - قرأنا لأول مرة آثار شوقي وحافظ ومطران والمنفلوطي وفؤاد الخطيب.. وغيرهم من أعلام الأدب المعاصرين...».
ونجد محمد سرور الصبان يذكره في كتابه (أدب الحجاز أو صفحة فكرية من أدب الناشئة الحجازية.. شعراً ونثراً) على نفقة المكتبة الحجازية بمكة. وقد خصص له أربع صفحات وأورد فيها 4 قصائد مختارة هي: (إلى الشرق المستكين) حجازات لميخائيل نعيمة في قصيدته (يا نهر!)، و(يا صاحبي) و(الأمل) و(قلب المحب).
كما يصدر الصبان في العام التالي كتابه الثاني (المعرض أو آراء شبان الحجاز في اللغة العربية) ويخصص صفحة الإهداء له: إلى الصديق العزيز، والأخ الحبيب، السيد محمد عمر عرب أهدي هذا الكتاب.. محمد سرور الصبان، مكة المكرمة 27 صفر 1345هـ كما خصص له سبع صفحات إجابة للسؤال المطروح: «هل من مصلحة الأمة العربية أن يحافظ كتابها وخطباؤها على أساليب اللغة الفصحى أو يجنحوا إلى التطور الحديث ويأخذوا برأي العصريين في تحطيم القيود اللغوية، ويسيروا على طريقة عامية مطلقة؟» إلى جانب محمد حسن عواد وأحمد إبراهيم الغزاوي وعبد الوهاب آشي وغيرهم.
وضمن كتاب (وحي الصحراء.. صفحة من الأدب العصري في الحجاز) لمحمد سعيد عبد المقصود وعبد الله عمر بلخير، نجد له 13 صفحة بدءاً بترجمته له وسبع قصائد هي: ذكرى قديمة، دمعة على الشباب، إلى الشرق المستكين، قلب المحب، آلام الصب الحائر، فلسفة الجمال، عصر الشباب:
ورغم أن محمد علي مغربي لم يشر إليه في موسوعته (أعلام الحجاز) 4 أجزاء إلا أن علي جواد الطاهر قد أفرد له صفحتين في موسوعته (معجم المطبوعات العربية .. المملكة العربية السعودية) نختار منهما قوله: «.. ترجم له المنهل عدد رجب 1386هـ نوفمبر 1966م ولد في غرة المحرم 1318هـ بمكة المكرمة، انتظم في سلك طلاب مدرسة الفلاح بمكة في مبدأ تأسيسها.. وفي عام 1338هـ عين أستاذا بمدرسة الفلاح بجدة لمدة عام ثم كاتباً بالمجلس البلدي بمكة، ثم محاسباً، ثم رئيس الكتاب ثم محرراً بديوان النيابة العامة، فمديراً لإحدى شعبه ثم معاوناً أول لمدير المكتب العام بديوان النيابة العامة، - والنيابة العامة، هي الإدارة التي كان يرأسها الأمير فيصل بوصفه نائب الملك في الحجاز -.
وفي سنة 1371هـ تعين رئيساً لديوان وزارة الصحة وقد توفي وهو يشغل هذا المنصب هو كاتب وشاعر في آن واحد.
قال عنه محمد حسن عواد: «.. انه أديب مفكر من طراز جديد») وقال عنه محمد سعيد العامودي: «الأديب المطبوع والرائد المرموق» وقال عنه عبد السلام الساسي: «.. كان يتلمس الجمال الفني للشعر العصري». وقال عنه محمد عمر توفيق: «عرفته شاعراً من الرعيل الأدبي الأول» ولا نغفل ما قاله محمد حسن عواد في كتابه (خواطر مصرحة). ونرجح انه أول من قال الشعر الحديث بالحجاز.