د. عبد الرحمن الشبيلي
أشعر بأن هذا المنتدى؛ راعياً وصاحباً وجمهوراً، مُيسّرٌ بفضل الله لاستمرار النجاح والتوفيق، فالثلوثيّة في هذه الليلة تدلِف إلى العقد الرابع في عمرها، وهي تتجدّد شباباً، وتزداد نضارةً وحيويّة، وبكل هذا النضج لا تحتاج إلى غزل، ولا تنتظر ثناءً وتبجيلاً.
وفي هذه المناسبة الغامرة بالألَق والودّ، أصعد إلى المنصّة، لأحتفيَ معكم بالشخصيّة المكرّمة د.خيريّة إبراهيم السقّاف، زميلة الحرف التي كانت الثلوثيّة تحاورها منذ عامين لحلحلة ممانعتها عن التكريم، وكانت تشاطرها الظروف الأُسريّة التي مرّت بها وتمرّ بها هذه الأيّام، فلم تُخيّب أم حيدر الظن بها، وحظيت الثلوثيّة بعد إلحاح، بقبولها أن تكون الشخصيّة الثقافيّة المكرّمة هذا العام.
ثم صار من يُمن الطالع، أن يهلّ عليها في هذه الأثناء تاجُ الأوسمة، يحمل وسمَ المغفور له الملك المؤسس واسمَه، قلّده إيّاها قبل ثلاثة أشهر خادمُ الحرمين الشريفين، فجاء تكريمها في مهرجان الجنادريّة شهادةً ساميةً بالمرتبة الرفيعة التي سمقت إليها في ميداني التعليم والثقافة، وحافظت فيها على أخلاقيّات الكلمة، وترفّعت عن منزلقاتها، حتى توافق المجتمع على احترامها، ورأى فيها أيقونة الرزانة والوقار، وما كان لهذا المنتدى بالطبع أن يغار من سبق الآخرين، فالسبق في إكرامها برهان من الاعتزاز بصواب ترشيحنا لها.
أَيُّهَا الحفل الكريم:
والدكتورة خيريّة، التي أُلقيَ الضوءُ على سيرتها، في الكتابات التي رافقت مهرجان الجنادريّة هذا العام ثم مهرجان عنيزة الثقافي، وتناولت مسيرتها العلميّة والثقافيّة المضيئة، تعيد إلى الذهن تاريخ أسرتها المكيّة الكريمة، وسيرة جدّها شيخ السادة ومفتي الشافعيّة، العلّامة علوي بن أحمد بن عبدالرحمن السقّاف المولود في مكة المكرمة عام 1255هـ صاحب المصنّفات في الفقه والعلوم والفلك، وقد ذكره الزركلي في قاموس الأعلام، ومحمد علي مغربي في أعلام الحجاز. وعبدالله مرداد أبوالخير في كتابه: نشر النور والزهر.
وسيرة جدّها لأبيها قاضي القضاة بمكة المكرمة محمد بن علوي السقّاف، وسيرة والدها إبراهيم بن محمد بن علوي السقّاف شفاه الله، خاصّاً جهوده بوصفه ركناً من أركان وزارة الماليّة والاقتصاد الوطني، وأحد من سعى في تأسيس كليّة البترول والمعادن بالظهران.
ومن منا لا يتذكّر طيبَ السمعة من أسرتها معالي السيّد عمر السقّاف وزير الدولة للشؤون الخارجيّة، العضد الأيمن للملك فيصل فيها.
والباحث في المنشأ الحجازي لأسرة السادة السّقاف، يجد المكتبات عامرة بكتب التراجم والأنساب والتاريخ، وبالمراجع التي تتحدّث عن أرومتها العطرة، وعن فروعها وانتشارها في أرجاء الجزيرة العربيّة، وفي المهجر الشرقي، كما يُسمّيه أستاذنا د.محمد الربيّع.
وعندما يذكر التراثُ المعماريُ المعاصرُ للعاصمة المقدّسة، يبرز قصر السقّاف التاريخي الأثري المعروف في مكة المكرمة، الذي شيّدته أسرة السقّاف منذ قرن ونصف القرن في شارع الأبطح بالمعابدة، واتّخذه الملك المؤسّس عبدالعزيز، مقرّاً لإقامته في المدينة الطاهرة، وكان القصر شاهداً على المناسبات والاتفاقيّات واللقاءات السياسيٌة التي عُقدت فيه، وورد ذكرها مقترنة بهذا القصر، في التاريخ الحديث للحجاز في ظل الدولة السعوديّة، وفي العديد من كتابات السير والتراجم وأخبار الرّحالة والمستشرقين.
ويتكامل السجلّ العلمي للدكتورة خيريّة، مع السجل الناصع لأسرتها الصغيرة (آل الجنيد) الدار المسكونة بحب الأحبار، البحّاثة الدؤوب، العازفة عن وهج الأضواء، وطنين أصوات المباهاة، عائلةٍ تُبحر ليل نهار في لُجّة الكتاب، وتهيم بالمخطوط والتراث، تسهر على تحقيق، وتصحو على مُعجم «لا تعبأ بالزمن، في استغراق صامت، وتفكير مبدع، وعشق غامر بالأحاسيس، وعيون تشرئبّ إلى السطور» حفظ الله لها إباء وحيدر ومحمد ومعين، وكلّ الأحفاد.
أَيُّهَا الأخوات والإخوة:
سعدتُ بزمالة الشخصيّة المكرّمة ومجموعة من الروّاد والرائدات المثقّفات، عبر أربعة عقود، حينما كانت بدايات الإعلام تسعى للتحليق في فضاء التطوّر النوعي في برامج الأسرة والطفل، وترنو لتحقيق الأهداف المثلى في التربية والتثقيف والترفيه.
ثم جمعتنا مظلّة التعليم العالي بمجالسه ولجانه، والتقينا على هواية الكتابة والبحث والتأليف والتوثيق، وأجزم أن لها من التاريخ والحضور المُشرق ما يجعلها دوماً محل حفاوةِ الوسط الثقافي والجامعي واحترامِه، وأن زميلاتها هنا يشاركن التفكير، ويتبارين في الرغبة بالتعبير، فبينهن من القواسم المشتركة في رحاب التجربة التعليميّة وفي فضاء العطاء الثقافي، أوجهُ تماهٍ كثيرةٌ، تنفث فيها كلُ واحدة منهن رحيق تجاربها وفكرها، ويكفي أن لهنّ في سدانة اللغة العربيٌة وآداب ها «القِدْحَ المُعلّى، إذا استبق الرُّماة إلى القِداح» أو كما قال أبو فراس الحمْداني.
وبعد؛
لا مزيد على ما قيل إبّان مهرجان الجنادريّة ثم مهرجان عنيزة الثقافي، عن سيرة الشخصيّة المكرّمة، وجهودها التعليميّة والثقافيّة والدراسات النقديّة ومجموعاتها القصصيّة، وأوقن أن كل الحاضرات والحاضرين هنا لديهم ما يقولونه ويعرفونه عن د. خيريّة المشكاة الأصيلة، التي أسرجت سماء ثقافتنا بقناديل المعرفة، وكنت أتوق إلى سماع ما كانت ستُبديه هذه الليلة الأخت د.سعاد المانع، زميلتُها الحميمة، التي لا تجارى في بلاغة القول، ولا تبارى في سرد فصول السيرة، لكن ظرفاً موجباً بالسفر حال دون حضورها، وألزمني بالوقوف أمامكم، أحمل تحاياها لكم وللشخصيّة المكرّمة، وهي تشارككم التعبير عن خاص التقدير وأخلصِه لهذا المنتدى المضيء؛ راعيه وصاحبه، وجمهوره رجالاً ونساءً، للتكريم الوفيّ الوافي، المعبّر عمّا في خواطر كل من في القاعة عن ريحانة القلوب، والغَيمة الإنسانة د.خيريّة السقّاف.
... ... ...
* في منتدى د.عمر بامحسون الثقافي، الثلاثاء 22 / 8 / 1439هـ (8 / 5 / 2018م).