د.عبدالله الغذامي
دأبت الثقافة الشعبية على احتقار المهن الصناعية، وترى أن الرجل النبيل لا يكون صانعاً ولا حداداً ولا حتى صائغاً، ومثلها الجزار، والطريف أنها لا تستعيب الذبح بذاته، فنحر الجزور علامة على الكرم ولكن بيع اللحم بعد نحره تعد منقصة، أما تقديمه للضيف فمحمدة، ولكن فكرة المتاجرة بالمهنة تحولت من دونيتها لتصبح محمدة ومصدراً للثراء، والتحول يعود لفارق نوعي، وهي أن الاحتقار يعود لمباشرة المرء للمهنة، أما لو أسس مصنعاً للحدادة ومؤسسة للخبز، أو بقالة تبيع اللحم مع سائر المأكولات فإن هذا يتحول إلى معنى التجارة بدلاً عن معنى الصناعة، ومسمى التاجر ليس كمسمى الصانع، وهي لعبة مجازية تحرر المصطلح من سلطة النسق، وتميز من الكسب الكبير والكسب الصغير فالصانع المفرد يقتات من عرق جبينه، بينما التاجر يقتات من عرق عماله، واختلاف نوعية العرق صنع اختلاف معنى المصطلح، وبهذا يجري تطوير معاني المهن إلى معنى رأسمالي يعيد صياغة المفاهيم ويغير من معاني الشرف، وسلطان المال والوجاهة يتحول لمصلحة المكسب الأكبر، والمكسب الذي يقوم على أكتاف الغير من المسخرين للعمل بالقليل لتحقيق الكثير للسيد الذي تحولت المهنة لشرف اجتماعي تخدم نمو رأس المال، ومع المال والتسيد تكون العملية تحت باب رجال الأعمال أهل المقام والوجاهة، بعد نسخ معنى رجال المهنة مما هو حيلة نسقية لتجميل التسميات تبعاً لسلطويتها.