أضِئْ ينسلَّ في دمِكَ الشهابُ
ويَسْلُلْ منه ما ترك الضَّبابُ
وتقرأْ فيكَ أمُّ الأرضِ طفلًا
تَدَفّقُ منه أسرارٌ عِذابُ
يصبِّحُها زمانٌ ليس ينسى
بأنّك أنت سُكَّرُه المُذابُ
وأنّك تحضنُ الضدَّينِ ماءً
ونارًا دبَّ بينهما عتابُ
فأسقيتَ الترابَ خُطاك لـمّا
تَشكَّى جمرَ وَحدتِه الترابُ
وكان ظماكَ بدءًا أريَـحِيًّا
يفيءُ إلى دَماثتِه السحابُ
وصرتَ تُزَوِّقُ التَّسآلَ حتى
صبا لبهاءِ طلعتِه الجوابُ
ستنبُتُ أيّها الإنسانُ دوحًا
ويورقُ في حكايتِك المآبُ
فأنت سُلالةُ الأنواءِ منها
وفيها يرتعُ الأملُ اللُّبابُ
ستولدُ من جديدٍ مثلَ نخلٍ
تعهّدَ أن يصافحَه الرَّبابُ
وتمحو ما اقترفتَ، وربَّ ماحٍ
هفا شكرًا ليلثَمَه الكتابُ
هنا تنقادُ في يدِكَ العَشايا
وترشُفُ وجهَ موقدِك الهضابُ
ويقدمُ من وفودِ الضوءِ جمعٌ
كأنّهم الدعاءُ المستجابُ
أضِئْ يا أيّها الإنسانُ حتى
يلوِّنَ سطرَكَ الهَرِمَ الخضابُ
***
تسوقُ الساعةُ الخبرَ انتشاءً
وتختلطُ المشاهدُ والخطابُ:
(تصدّقتِ المجاهلُ بارتواءٍ!
وصامتْ عن طرائدِها الذئابُ!
ودَنْدنَ في عروقِ الصخرِ عطفٌ!
وأضربَ عن خديعتِه السرابُ!
وأزهرَ في جفونِ الرملِ صبحٌ!
ونَفَّضَ خَشخشاتِ الخوفِ غابُ!)
فنادتْ أمُّنا الأرضُ: استفيضوا
فلن ينسدَّ للضحَواتِ بابُ
مُنَقَّشةٌ لكم دارُ التعَلّي
وفي أرجائِها انتحرَ الخرابُ
فسيروا سيرةَ الأمواجِ مَدًّا
وجَزرًا داخ بينهما العُبابُ
لكيْ ينداحَ فانوسُ الليالي
ويلثَمَ مقلةَ الوعدِ ارتقابُ
وتُبديَ غيمةُ الوَسْـمـِيِّ خدًّا
تميلُ للَثْمِ رقّتِه الشعابُ
وتَنْهَلَّ المـجَرَّةُ عِقْدَ نجمٍ
تَأوَّهُ من نَفاستِه القِبابُ
ويندمَ عند مَحضَرِكم غيابٌ
وما أحلاه إن ندمَ الغيابُ!
وإلا صرتـمُ من حيثُ كنتم
وعاد لدفنِ صاحبِه (الغرابُ)
** **
- عبدالله بن سُليم الرُّشيد