فهد بن جليد
سأروي لكم ما حدث لي عقب الفراغ من صلاة الجمعة الماضية للفائدة والعبرة - حتى لا يتكرر معكم المشهد يوم غدٍ الجمعة - عندما لفت انتباهي صوت ذلك الطفل الصغير، الذي يُجاهد لنطق الجُمل بالشكل الصحيح وهو يجلس عند أحد أبواب الجامع من الداخل، ويطلب المُساعدة بصوته البريء بطريقة جديدة (ساعدونا يعطيكم العافية، لا يوجد عندنا أكل في البيت يا اخوان، نحتاج مُساعدة) حينها بدأت التركيز فيما يقول؟ في عمره وشكله، يظهر لي من لهجته أنه (غير سعودي) وأنَّ هناك من وظفه للقيام بمهنة التسول لاستدرار واستعطاف قلوب المُصلين، كنت أنظر إلى من يمُّدون له ببعض الريالات بشيء من الاستغراب لأنها انطوت عليهم الحيلة وربما كانوا سببًا في زيادة المُتسولين أكثر، ومع تركيزي وتأملي لهذا الطفل ونداه المُحزن الذي يترَّدد على مسامعي - يبدو أنَّني وقعت في الفخ - فلم أشعر بنفسي عند المرور به إلا وأنا أدخل يدي في جيبي وأمُّدُ له ما كتب الله، في حالة من الذهول، كيف أفعل ذلك؟ رغم قناعتي بأنَّ هؤلاء ليسوا إلا أدوات في أيدي عصابات التسول؟!.
نحن شعب طيب وعاطفي جدًا، جُبِلنا على حب الخير والسعي إليه، لا يمكن أن نسمع صوت ونداء استغاثة دون أن نتفاعل معه من باب التكافل والإحسان وأعمال البر والخير، بما يُرضي ربنا أولاً ثم ضمائرنا الإنسانية ونخوتنا العربية الأصيلة، التي تُسقِط في مثل هذه اللحظات (كل القناعات والمفاهيم) التي يحملها الإنسان عن هذه الفئات وعصابات التسول التي توظفهم، خصوصًا عندما يلتجئ إليك ويقصدك إنسان يدَّعي بأنه مُحتاج ويطلب المساعدة بكل ألم وحسرة وضعف واستعطاف، ليبدأ في داخلك صراع بين (فعل الخير) ونجدة هذا السائل بما تيسر، وبين فهمك ومواطنتك الصالحة والتزامك بالتحذيرات من تقديم أي نوع من أنواع المُساعدة لمثل هؤلاء.
مع قُرب حلول شهر رمضان المبارك، حتمًا سيزداد عدد من يطلبون المُساعدة في كل مكان - كما هي العادة كل عام - لتلامس مسامعنا نداءات استغاثة من يفترشون بعض الطرقات وأبواب المساجد والجوامع ومداخل المحلات والأسواق، لاستدرار عطف الناس وتعاطفهم في شهر فعل الخيرات، وحتما سيتعاظم في داخلنا الصراع بين الاستجابة والامتناع - لثوانٍ حتى تتخذ القرار الصحيح - بين الحذر من دعم هؤلاء، وبين التعذر بمسؤولية الجهة التي لم تنجح في منعهم من الوصول إلى مُحبي فعل الخير، الذين يُنتظر أن تذهب مساعداتهم إلى مستحقيها الحقيقيين عبر القنوات الرسمية للأسر المُتعفِّفة، ممَّن تمتنع عن التسول، وتتألم بصمت رغم الحاجة؟
وعلى دروب الخير نلتقي.