د. فوزية البكر
في مقالة الأسبوع الماضي حاولت أن أفهم واستعرض مع قرائي بعضاً من الأسباب التي وضعها تقرير البنك الدولي وتقرير الأمم المتحدة الذي نشر أخيراً تحت عنوان: (التعلّم لتحقيق الدور المنتظر من التعليم) لتحليل العوامل الرئيسة لسوء نتاج سنوات التعليم للطلاب التي تنتج ظاهرة سماها المحلِّلون: (ظاهرة عدم التعلّم) والتي لاحظوها كثيراً في كثير من دول إفريقيا والشرق الأوسط ودول أمريكا اللاتينية (يا ترى ما هو الرابط بين هذه القارات التي يجعل طلابها الأسوأ في القدرات الأساسية؟).
كم من طلابنا يستطيع حل مسألة رياضية في عقله فقط دون استخدام الجوال ومن يستطيع الآن قراءة مقالة في جريدة أو يردد إحدى قصائد شاعر العرب أحمد شوقي؟ السؤال الخطر هو: لماذا يحدث ذلك الآن وما الذي علينا فعلاً التوقف عنده ومراجعته؟
نعرف أن أولادنا سيواجهون عالماً مختلفاً مهنياً وثقافياً وحقهم علينا أن نزوّدهم بالمهارات اللازمة لاقتحام العصر وحري بنا أيضاً أن نفعل ذلك مع أولاد الفقراء والمعزولين في مناطقهم أكثر مما نفعل مع أبناء المدن لحقهم في مستقبل أفضل مثلهم مثل أبنائنا المحظوظين: أبناء المدن الكبرى وأبناء الطبقة المتوسطة وما فوقها. (وهذا موضوع هام جداً وهو الفروق في مستوى التعليم والإدارة والبنية التحتية للمدارس بين المناطق الحضرية والريفية).
ما الذي يمكننا فعله لتجنب ظاهرة عدم التعلّم؟
ثلاثة تدابير أساسية أشار لها تقرير الأمم المتحدة ويمكننا تنفيذه في بلادنا خاصة مع الخطط الطموحة لوزارة التعليم وهي الآتي:
- وضع مقاييس واضحة لنواتج التعلّم: حيث نحتاج إلى تطبيق تقييمات معتمدة عالمياً ومفيدة محلياً لتتبع نواتج التعلّم ولإشعار المعلمين بنتاج ما يفعلونه في فصولهم. أشار تقرير الأمم المتحدة المذكور إلى أن نصف البلدان التي شاركت في التقرير لم يكن لديها نظم واضحة لتقييم نواتج تعلّم الطلاب في المهارات الأساسية وهي (القراءة والكتابة والرياضيات والعلوم وأضيف لها مؤخراً الآداب (الأدب والفنون والابتكار).
- التركيز على المعلمين باعتبارهم الصف الأمامي الذي يبقي معه الطلاب طوال يومهم؟ كيف؟
أولاً باجتذاب المبدعين من الطلاب للتدريس كما فعلت فنلندا، حيث (يبدع) المعلّمون المبدعون في تدريسهم وهم أس النجاح لآي عملية تعليمية.
ثانياً: بتعريف كافة المعلمين بالتطورات في أبحاث الدماغ وعلاقته بالتعلّم وكيف يحدث، حيث سيتمكّن المعلمون من معرفة كف يؤثّرون في طلابهم وكيف يمكن لهم إحداث الفرق في هذا التعلّم وهذا يحقق أيضاً النمو المهني للمعلمين من خلال عملية تعلّم حقيقية يمرون بها ستثري الفصل وتجنبهم الشعور بما أسماه التقرير (التقزّم المهني) وهو ما أظن الكثير من المعلمين والمعلمات وحتى الإداريين في وزارة التعليم يشعرون به مع تأكيد التقرير على ضرورة إعطاء الإداريين فرصة موازية للنمو والاستقلال الإداري فلا يمكن للقائد أن يحقق شيئاً وهو مربوط بكلمة من هنا وكلمة من هناك من إدارات الوزارة. يجب أن نؤمن بالمعلمين والإداريين ونعطيهم حريات معقولة لكي يحققوا النمو في مسؤولياتهم داخل المدارس. المطلوب مزيداً من الثقة في كوادرنا الوطنية بعد تدريبها.
ثالثاً: تركيز صانعي القرار في كافة أطراف العملية التعليمية على جودة التعلّم وليس على تحقيق مكاسب سياسية أو شخصية كما يحدث في كثير من الدول النامية ومنها دولنا، حيث يدفع التركيز الاجتماعي على النجاح الشخصي للفرد إلى أن ينسى الكثيرون لماذا وضعوا في مكان ما ويبدأون في تحقيق غنائم اجتماعية أو قبلية أو شخصية على حساب المجتمع الذي وضعهم في مواقع معينة ولكي نتجنب ذلك علينا:
نشر المعلومات حول حقيقية تعلم طلابنا والتي تقاس بمقاييس عالمية معترف بها.
بناء تحالفات بين أهداف رجال السياسة وصانعي القرار في مجال التعليم وذلك نحو تحقيق تعلّم حقيقي للطلاب حتى لو سعى بعض هؤلاء القادة إلى تحقيق بعض الغنائم الشخصية لكن لنتذكر أن التعلّم الحقيقي هو من يقود عجلة التغيير والابتكار في المجتمعات ويحول عجلة اقتصادها للنمو الحقيقي بما يوفر العمل والحياة الحقيقية والرفاه للجميع ولن يحدث ذلك إلا بتكاتفنا وفهمنا لعملية ونواتج التعلّم.
ربي احفظ هذا البلد آمناً مستقراً.