احمد العلولا
بعد أن كتب الأستاذ خالد المالك رئيس التحرير مقاله الرائع عن الفقيد العم الفاضل عبدالعزيز بن محمد خالد الرشيد وجدت في نفسي حماسة أكثر بعد أن عدت لوضعي الطبيعي جراء موجة الحزن التي أصابتني نظراً لما أكنه من حب وتقدير للفقيد الغالي قال رب العزة والجلال كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ .
وماذا عساي أن أقول إلا بشحنة تفاؤل (اللهم أجبرنا في مصيبتنا وأخلفنا خيراً منها) في فترة طفولتي المبكرة، كنت أمارس اللعب على مقربة من بيتنا العتيق في حي البحيرة.
(كتبت مقالاً طريفًا منذ فترة معنوناً بحيرة الرس أفضل من بحيرة جنيف) وقع بصري للمرة الأولى على شخص فوق الثلاثين من العمر يرتدي لباساً ناصع البياض كبياض قلبه بعد أن عرفته لاحقا، يسير بكل هدوء، لا تسمع له همساً، يحمل في يده اليسرى بعضاً من الصحف السعودية في طريقه إلى بيته خارجاً للتو من مكتبه كمدير لأول مندوبية تعليم للبنات بالرس.. حقيقة كنت في داخلي قد شعرت بارتياح كبير لا يوصف تجاهه، شخصية جذابة وأنا ذلك الطفل عرفت أنه دمث الخلق وطيب و(حبوب) جداً يدلف بكل بساطة وتواضع لقلبي بدون استئذان، وأخيراً عرفته عن قرب، إذ حدثني أبو محمد -رحمه الله- عن علاقة القرابة التي تربطه بأخي سليمان -رحمه الله- وكانت نشأت علاقة حميمة بيني وبين أبناء الفقيد خاصة عبد الرحمن - رحمه الله وخالد بحكم تقارب السن والدراسة في فصل واحد في أول سنة ابتدائية، ولتواجدي معهم بدأت من باب الفضول تصفح تلك الصحف لعل وعسى أجد كلمة (الرس) ولو من خلال إعلان محكمة.!!! وكان العم الفاضل أبو محمد يشجعني على القراءة ويمنحني تلك الصحف هدية وأعود لبيتي فرحاً مسروراً وأجزم أنها ساهمت في صقل موهبة الكتابة عندي منذ وقت مبكر، كان عبدالرحمن شقيق المرحوم بإذن الله قد أسس نادي الأهلي كأول فريق بالرس ومن بعد تم تسجيله رسمياً باسم الحزم وقد أصبح ذلك البيت مقرًا للفريق يعسكر فيه قبل كل مباراة كما أنه أصبح دار ضيافة لبعض اللاعبين القادمين من خارج الرس ولم يكن أبو محمد معترضا بل كان يشجع أخاه الأصغر ولهذا الموضوع صلة سوف أتناولها في سطور مقبلة، وفي منتصف الثمانينات الهجرية قرر العم محمد التوجه للرياض مصطحبا عائلته بحكم انتقال عمله هناك، وكان عدد من أبناء الرس بعد إكمال الدراسة المتوسطة يتجهون للرياض بهدف الدراسة في معاهد متخصصة كالفني والرياضي والمهني وقد فتح العم أبو محمد بيته رغم تواضع مساحته لاستقبال عدد منهم خاصة لمن كانت ظروفهم المادية لا تسمح لهم باستئجار دور سكن لهم واستمر على هذا الوضع طيلة سنوات مرحبا وكريما ويعاملهم مثل أولاده وأني لأشهد على ذلك بحكم معرفتي بالطلبة الذين استضافهم عن قناعة ورحابة صدر مبتغيًا الأجر والثواب من عند رب البلاد والعباد، كان الفقيد رحمه الله إنساناً راقياً متسامحاً بمعنى الكلمة نتيجة تربيته الجيدة ولذا أصبح مربيا فاضلاً متميزاً بشخصية متزنة إذ لم يكن ممن يكثر الكلام، بل تجده يميل للصمت، ولا شأن رحيل شريكة حياته الخالة أم محمد قبل 15 سنة أو أكثر قد خلفت جرحاً عميقا في داخله إلا أنه كان صابراً محتسباً وبعد سنوات فقد ساعده الأيمن الابن عبد الرحمن الذي كان لصيقا به مرتبطا به كصديق غال أكثر من كونه فلذة كبده وكانت من وجهة نظري قد شكلت لديه صدمة وبإيمانه القوي بالله تجاوزها، رحل العم عبدالعزيز الرشيد من هذه الدنيا الفانية مخلفا وراءه سيرة عطرة، لذا لن ينقطع ذكره لفترة مقبلة طويلة، اللهم ارحم فقيدنا الغالي على قلبي، رحمة الأبرار وأنزله الفردوس الأعلى من الجنة والهم أبناءه وبناته ومحبيه الكثر الصبر والسلوان.
{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعون}.