سبحان الحي الذي لا يموت، سبحان من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه، سبحان من إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون..
لاشفاعة في الموت، هكذا اقتضت حكمة الرحمن، وتلك هي سنة الله في خلقه..
بالأمس القريب تجرّعنا مرارة الفقد وألم الفراق، رحل عنّا الأخ والحبيب والصديق والسند « أبا معاذ فهد بن سعود العامر» إن القلب ليحزن، وإن العين لتدمع، وإنا على فراقك يا أبا معاذ لمحزونون ولانقول إلا مايرضي ربنا {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
رحلتَ و ما رحلتَ عن الفؤادِ
وغبتَ وَلَمْ تَزلْ في كل نادِ
خَطَى الآلاف و اندثرت خُطاهم
وَخَطْوُك لم يزلْ في الخير بادِ
عرفتُ أبا معاذ قبل أكثر من 10 سنوات وكانت معرفتي له في جمعية تحفيظ القرآن بالزلفي.. ثم توثّقت هذه العلاقة بعد انتقالي للعمل في الجمعية قبل 5 سنوات وكان من آخر الأعمال التي أنجزها قبل سفره تصاميم برنامج « علّمني» فقد كان يعمل فيها في يوم إجازته وهو يوم الجمعة، كان رحمه الله حريصاً على اكتمال هذا المشروع الذي اكتمل بمدة وجيزة ولله الحمد نسأل الله أن يكتب له أجرها..
وأما آخر تواصل بيني وبينه فكان قبل وفاته بأقل من 24 ساعة، حيث أرسل لي رسالة صوتية يبشّرني فيها بصدور موافقة الإدارة العامة للجمعيات في وزارة الشؤون الإسلامية على حملة « ليبقى الأثر « التي ستطرح في رمضان بإذن الله..
كان مميزاً في إدارته، حريصاً على إنجاز كل ما يوكل إليه من أعمال، متقناً في أداء عمله، لايرتضي أن يكون إنجازه أقل من المطلوب..
كان سنداً وعوناً لكل من يعمل بالجمعية وكان يقف معهم ويحل مشاكلهم بهدوئه ولباقته ولطافته وحكمته وحسن رأيه بدون تذمّر ولا تضجّر مع كثرة ضغوط عمله وكثرة المراجعين له، فلا يكاد يخلو مكتبه من المراجعين فهذا يريد معاملة ينهيها وهذا يريد حلاً لمشكلته وذاك يريد استفساراً يريد إجابته، فكان يجيب كلاً حسب مسألته بطيب نفس وسماحة خُلق..
اشتركتُ معه في عدة لجان، كان همه الأول الجمعية فلا يكاد يجلس مجلساً إلا كان يتحدث عن الجمعية بإنجازاتها وما وصلت إليه من مستوى وعن سبل دعم الجمعية وما تحتاج إليه برامجها من دعم..
يعجز الوصف أن يقول عن محاسنه شيئاً فطيبة قلبه وروحه الجميلة علّمتنا معاني المحبة..
ملامحه، وبياض قلبه، ابتسامته، وسماحة وجهه..
ودَّعناه وأبدلنا الله بجميل ذِكره، وبياض سيرته، ودَّعناه ولم نودِّع مآثره وكريم خصاله..
مارحل لنبقى.. هو سبقنا فقط، ويكفيه شهداء الله له في أرضه..
«وفي الليلة الظلماء يُفتقد البدرُ»
أسأل الرحمن أن يرحمه برحمته الواسعة و هو أرحم الراحمين.. غفر الله له أخاً وصديقاً غائباً عنا ساكناً القلوب..
عزاؤنا أنه أقبل على من هو أرحم منَّا وأكرم منَّا، وأنه انتقل من دار الفناء والبلاء إلى دار المستقر والبقاء.. عزاؤنا هو حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: «إذا أراد الله بعبده خيراً استعمله قبل موته، قالوا: يا رسول الله! وكيف يستعمله؟ قال: يُوفِّقه لعملٍ صالح، ثم يقبضه عليه»..
اللهم إنك تعلم حبه لفعل الخيرات، وإعانته للضعفاء..
اللهم اجزه بما جزيت به مُحسناً على إحسانه..
اللهم اجعل قبره نوراً وحُفَّه بملائكتك، اللهم آنس وحشته واغسله بالماء والثلج والبرد، اللهم عامله بما أنت أهله، واجعل الجنة داره وقراره يارب العالمين.
** **
عبدالعزيز بن عبدالمحسن الحمين - رئيس قسم تنمية الموارد المالية - جمعية تحفيظ القرآن الكريم بالزلفي