خالد بن حمد المالك
في الحياة دروس وعبر لا نستفيد منها، ولدى الآخرين تجارب نغفل عنها، ما لا يمكن فهمه أو استيعابه، أو الوصول إلى تفسير لهذه الحالة على نحو يجنبنا التداعيات التي تؤثِّر على نفسياتنا، ولا تجعلنا في حالة قلق لا ينتهي.
* *
هذا إنسان لا تظهر عليه في مظهره وتصرفاته وتعامله مع الآخرين سمات غير عادية، لكن ما إن يقع عليه الاختيار لوظيفة قيادية مرموقة، حتى يتغيّر مائة وثمانين درجة في مظهره وتصرفاته وتعامله مع الآخرين بشكل لافت.
* *
وحين يُعفى من وظيفته، ويعود كما كان إنساناً بلا مسؤوليات، ومن دون صلاحيات، ويتذكر الهالة التي كانت تحيط به، وشلة الأنس التي دأبت على مجاملته، يبلغ الأسى لديه مداه الواسع، لأنه لم يستفد من تجارب من سبقه.
* *
المعنى، أن الكرسي المعد للوظائف القيادية المرموقة كرسي دوار، فهذا آت وذاك مغادر، وأن العاقل من يتعظ بما انتهى إليه من سبقه، حتى لا يتأثر نفسياً حين ينفضّ عنه جموع المطبّلين والمنافقين وشلة المصالح كما كان هذا حال سلفه.
* *
أسماء كبيرة، وشخصيات مثيرة، مرّوا على أكثر من موقع مهم، بصلاحيات واسعة، وثقة لا حدود لها، وانتهى بهم المقام والمكان إلى حيث لا أحد يسأل عنهم الآن، ولكن من ذا الذي عنده القدرة والإرادة والتصميم كي لا يكرر خطأ غيره.
* *
وللإنصاف -وحتى لا نعمم- فهناك أسماء وشخصيات غير هذه كانت ملء السمع والبصر وهي على رأس السلطة وموقع المسؤولية، وحين تركت كل ذلك، بقيت في مكانها من التقدير، وأخرى أصبحت بعد فك ارتباطها بالكرسي على الهامش وفي طي النسيان، الفرق أن الأولى كانت حساباتها صحيحة، فلم تغيِّر الوظيفة الكبيرة شيئاً من تصرفاتها وتعاملها وسلوكها وهو ما كانت الثانية تحتاج إليه.
* *
إذاً فإن اقتفاء حركة الطاووس، أو محاكاته، وتقمّص شخصيته؛ ممن اعتقد -على خطأ- أن ذلك من متطلبات الوظيفة القيادية، وبالتالي فإن عليه وفق هذا المفهوم أن يتطبع بذلك، عليه الآن أن يدرك أن من نتائجه ما بعد الوظيفة أنه أصبح في حالة توتر دائم، بما لا تفسير له إلا أنه لم يستفد من دروس السلف.
* *
لهذا آن للقياديين، أن يتواضعوا، فالكرسي دوار، بل إنه سريع الدوران، اللهم إني بلغت.