د.ثريا العريض
القراءة والكتابة مهارة ذات وجهين. تبدأ من الطفولة حالما نتعلم أن نفك الحرف ورموز التعبير عن الأفكار كتابياً بلغة ما اخترعها أسلاف لنا أو لغيرنا.. ولا تنتهي. وتتوقف عند بعضنا غير المحظوظ عند هذا الحد.
ومن طبيعة الإنسان أن يسخر كل ابتكار واختراع ومهارة مستجدة كوسيلة لنشر خدمة عامة يستفيد منها كل الأطراف بدرجة أو بأخرى. ولكن الأهم من وصولها إلينا، هو ماذا سيحقق ذلك؟ ماذا يفعل بنا المحتوى الذي يصلنا عبر هذه الوسائل المتعددة والمتنافسة للاستحواذ على موقع اختيارنا وتفضيلنا لها، وماذا نفعل به بعد استيعابه.
قطعاً، ليس المهم المواد، ولا الرموز التي استخدمها البشر في نقش أفكارهم، وتصوير تفاصيل حياتهم وتعاليم دياناتهم، وتسجيل قوانينهم ودساتيرهم، وتاريخ أبطالهم وقادتهم، بدءاً بالحفر في الصخر ثم النقش على ألواح طينية أو سبورة سوداء بطباشير. المهم أنها تواكب الاحتياجات وآخر تطورات ومتغيرات أسلوب الحياة اليومية، وكل خدمة مقابل ثمن.
استمر الأمر يتطور ببطء لأكثر من قرن، حيث مع الميكنة واستخدام الكهرباء ووسائل النقل الأسرع، وصلنا للمطابع ونشر الكتب، والصحف الورقية المنتظمة، توزع كل صباح لتنقل للمتابعين آخر ما استجد من الأحداث والأخبار والتعليقات والإبداعات الأدبية والإعلانات التجارية. حتى استجدت صناعة الإلكترونيات والتواصل عن بعد، وطورت الحواسيب، وتطورت من وحدات بحجم بناية، إلى أن أصبحت أجهزة شخصية صغيرة مكتبية أو متنقلة، وهواتف ذكية يمكن أن يحتويها الجيب، ويستخدمها الطفل والطالب والباحث والمتخصص، تغذيها بالمحتوى شبكات عالمية عملاقة تخدم كل التخصصات. ومع تطوير وانتشار وسائل وبرامج التواصل الاجتماعي في العقود الأخيرة، بدأت الحاجة لشراء الصحيفة يومياً أو المجلة شهرياً أو أسبوعياً تتراجع. وحل محلها الهاتف المحمول الذي اتسعت قدرة خدماته لتشمل الساعة والهاتف ونقل ما يقدمه الراديو المسموع والتلفزيون المرئي والتواصل بالأصدقاء وشركاء العمل بالبريد الإلكتروني.. وسرعان ما تولت أيضاً خدمة الإعلان والتسويق، العمود الفقري مادياً الذي يضمن ربحية واستمرارية صناعة الصحف والمطبوعات الورقية.
تراجعت مبيعات وإعلانات واشتراكات الصحف في العالم كله.
الآن يتحدثون عن توقف المطبوعة الورقية والتحول إلى الإلكترونية. وسيضمن ذلك وصول نفس المحتوى الأسبق للمطبوعات، وبوتيرة أسرع تواكب مستجدات الأخبار والأحداث عالمياً على مدار الساعة. سيظل الأمر مسألة مقايضة وبيع للمعلومة لجهة مستفيدة. ولعل التحديث سيفيد المستخدم إذ يزيد تحكمه بما يتوفر له مع تنوع مصادر المحتوى المرئية والمسموعة والناقلة عن المصادر الرسمية، بالإضافة إلى توفر خدمة البحث عن أي معلومة في محركات البحث مثل جوجل وأمثاله من مقدمي الخدمة الشاملة، وبثمن لا يتجاوز ما تطلبه شركات توفير الإنترنت، وقد توفرها شركات أخرى مجاناً مقابل تجميع معلومات عن المستخدمين وتفضيلاتهم البحثية والشرائية أو غير ذلك من التفاصيل المطلوبة لجهات متعددة تجارية وسياسية واستخباراتية.. سواء كان ذلك بعلم الفرد أو دون موافقته.
لي في عالم الكتابة الصحفية المنتظمة خبرة طويلة. والحديث عن نهاية الصحافة الورقية يحزنني، لعلاقتي الحميمة بها. ولكني حين أتذكر كيف كنت أكتب مقالاتي بخط اليد، ويمر مندوب الجريدة في المنطقة الشرقية أسبوعياً ليأخذها من بيتي في الظهران ليضمها لجعبة البريد الذي سيرسل إلى مكتب الجريدة في الرياض، أعي أن التطور لا بد منه للبقاء. وأن الطباعة على الحاسب الشخصي وإرسالها بالفاكس مباشرة إلى الرياض كانت أول خطوات تحول الصحافة الورقية إلى إلكترونية. عندها اضطر للاعتراف: لا بد للبقاء من مواكبة التقنيات الحديثة والتطور في صناعة الإعلام والاتصال والنشر. وستؤدي الصحف الإلكترونية نفس الخدمة بصيغة أفضل.