محمد آل الشيخ
هل تعلم أن الناتج الإجمالي المحلي لكوريا الجنوبية (ترليون وخمسمائة مليار دولار)، وفي المقابل فإن الناتج الإجمالي المحلي لكوريا الشمالية لا يتجاوز 28 مليار دولار؟ فقط.. صحيح أن كوريا الشمالية دولة نووية كما باستطاعتها قصف الولايات المتحدة بصواريخ بالستية؛ غير أن الرئيس الكوري، رغم قوته العسكرية الضاربة قرَّر أن يدخل مع الولايات المتحدة وجارته كوريا الجنوبية في محادثات سلام، تنتهي بتخليه عن ترسانته النووية لتخلو شبه الجزيرة الكورية من السلاح النووي.
والسؤال: لماذا؟
جميع المؤشرات الموضوعية تذهب إلى أن الرئيس الكوري الشمالي اكتشف على ما يبدو أن الأسلحة النووية لن تُطعم شعبه خبزاَ، ولن تحل مشاكل بلده الاقتصادية، إلا أن يتخلّى عن ترسانته النووية.
إيران الخامنئي يعاني أهلها من مآسٍ وفقر مدقع، تتسع نسبة تفشيه وانتشاره مع كل يوم جديد. لكن هذا الكاهن المعمم لا يهمه كل ذلك ولا يلتفت إليه، بل يهمه أن يكون قوة إقليمية في المنطقة، تدعمه على السيطرة الإقليمية، (ليشيع) شعوب المنطقة كما هو هدف الدول الدينية الكهنوتية في كل زمان ومكان؛ لذلك ففي رأيه لن يحقق هدفه إلا إذا تملك القوة العسكرية الضاربة وحماها بآلية الردع النووية، ليفرض ما يشاء كما يشاء ومتى ما يشاء؛ فصار ينفق بجنون على ميليشياته الشيعية المذهبية كل مردودات إيران المالية، وينتقل بتلك الميليشيات من مكان إلى مكان، ويستثمر أي خلاف سياسي خارجي، ونسي الداخل الإيراني؛ وهذا ما جعل معدلات الفقر والفاقة في إيران تتفاقم وتتجاوز الخمسين في المائة من تعداد الشعوب الإيرانية؛ وهذه النسبة كما تقول الإحصاءات لا تزال في ارتفاع؛ بمعنى أن هناك أربعين مليون جائع من مجموع السكان الذي يبلغ تعدادهم أكثر من ثمانين مليوناً نسمة تقريباً.
ملالي الفرس المسيسيون، لا يدركون أن معايير العالم اليوم تختلف عن عالم الأمس، حيث كان الغزو والجهاد والهيمنة، وتصدير الثورات الأيديولوجية بالقوة هو المسيطر في علاقات الشعوب ببعضها، فالغزو اليوم أصبح مستحيلاً؛ فلا يمكن إطلاقاً، وأكرر إطلاقاً، أن يترك عالم اليوم دولة دينية كهنوتية، ذات تعاليم وثقافة ماضوية، أن تتمدد وتتوسع وتمارس ما تمارسه المنظمات الإرهابية، التي يعمل العالم على حربها، واجتثاث ثقافتها بكل ما أوتي من قوة؛ فكيف يسمح لدولة أن تقوم بالدور نفسه الذي كانت تقوم به المنظمات الإرهابية.
وفي المقابل ماذا لو تخلى خامنئي وملاليه عن أحلامه وأوهامه التوسعية، وانتهج العقلانية، والموضوعية، واستفاد من تجربة كوريا الشمالية، ومد يديه للتعاون مع دول العالم، بدلاً من تبني زلزلة أمنها وهز استقراها؟
أكاد أجزم أن نهضة كبيرة ستعم إيران، لأن مكنوناتها الطبيعية ثرية، وستأتي رؤوس الأموال للاستثمار فيها وتنميتها اقتصادياً، وإلحاق مواطنها بالقرن الواحد والعشرين، وأول هذه الدول - بالمناسبة - دول الجوار الخليجي، وعلى رأسها المملكة.
لكن مثل هذه القرار الشجاع، يريد له رجلاً مثل محمد بن سلمان في سعة إدراكه وإصراره وشجاعته، فخامنئي لا يملك القدرة والأهلية فضلاً عن العقلية المنغمسة في الماضي، على تنفيذه، إضافة إلى أن الانتهازيين الوصوليين الذين يتحلّقون حول الملالي يدركون أن أي تنمية اقتصادية وإصلاح حقيقي واجتثاث للفساد من شأنه أن يؤدي بإيران إلى (الدولة المدنية)، وحينما يحكم المدنيون، سيعود الملالي إلى مساجدهم وحوزاتهم.
إلى اللقاء