فضل بن سعد البوعينين
تحرص الدول المتقدمة على تحقيق المعادلة الصعبة بين التنمية الصناعية، والمحافظة على صحة الإنسان وسلامة البيئة؛ فهدف التنمية الرئيس هو بناء منظومة متكاملة لخدمة الإنسان؛ وتعزيز جودة الحياة؛ وإعمار الأرض. تسعى الجهات الحكومية؛ والدولية؛ من أجل تحقيق ذلك؛ إلى سن القوانين الصارمة حفاظا على صحة الإنسان وسلامة بيئته المحيطة، والبيئة الأعم والأشمل؛ المؤثرة في حياة الشعوب والأمم.
وبالرغم من وجود التشريعات الخاصة بحماية البيئة؛ تعاني المملكة من تداعيات مؤثرة في بيئتها البرية؛ أدت إلى تقلص الغطاء النباتي؛ وتصحر مناطق شاسعة كانت إلى عهد قريب مليئة بالأشجار والنباتات المتنوعة التي جادت بها الطبيعة؛ بفضل الله؛ ودون تدخل من البشر. لم يعد التوازن البيئي كما كان سابقا؛ ولم تسلم الطبيعة من التدمير المتعمد؛ حتى زادت رقعة الصحاري القاحلة؛ وانقرضت بعض النباتات والحيوانات المرتبطة تاريخيا بها. الأمر لا يقتصر على البيئة البرية فحسب بل يندرج أيضا على البيئة البحرية التي عانت من التدمير بسبب ردم البحار؛ والصيد الجائر؛ وضعف الرقابة؛ وتواري دور إدارات الثروة السمكية خلف الأعمال المكتبية، دون الاهتمام بحماية الثروة السمكية؛ إضافة إلى ناقلات النفط والبتروكيماويات العملاقة التي تفرغ خزانات التوازن الملوثة في المياه الإقليمية بطيئة التجدد؛ ومناطق تواجد الأسماك وتكاثرها.
لم تكن أرامكو السعودية؛ برغم تخصصها في صناعة النفط؛ وعملياتها التشغيلية المؤثرة؛ بعيدة عن التشريعات البيئية الصارمة؛ والمساهمات المجتمعية المؤثرة والهادفة إلى حماية البيئة؛ وتعزيز مكوناتها؛ ومعالجة مشكلاتها الطارئة والمستدامة. كانت أرامكو السعودية؛ وما زالت؛ متقدمة على الجهات الرقابية؛ في تشريعاتها الداخلية وأنظمتها البيئية ومشروعاتها المجتمعية الداعمة لحماية البيئة وصحة الإنسان. ولعلي أستشهد بدورها الرائد في حماية البحار؛ والسواحل والجزر السعودية من التسربات النفطية أبان حرب الخليج؛ ومساهمتها في إنقاذ سواحل الشرقية من كوارث بيئية محققة؛ ودعمها برامج الإستزراع البحري؛ وأشجار المانجروف؛ ومحمية شيبة وغيرها من المشروعات البيئية المهمة. لا يمكن إغفال أثر عمليات شركات النفط على البيئة؛ غير أن الإلتزام البيئي؛ والمجتمعي؛ يسهم دائما في معالجة جوانب مهمة من الإنعكاسات السلبية للعمليات التشغيلية؛ ويعظم الدور البيئي والمجتمعي عندما يأتي ضمن مبادرات؛ ورؤية مؤسسية داعمة للمجتمع؛ تلتزم بها الشركة؛ دون أن تمارس عليها ضغوطا من الخارج.
وللأمانة؛ فدور أرامكو السعودية المجتمعي والبيئي؛ بات الأكثر نشاطا بين الشركات السعودية؛ وأكثر تأثيرا ونفعا للمجتمع. لا يقتصر الأمر على المساهمات المالية؛ بل نوعية المبادرات وأهميتها وحاجة المجتمع لها. إستوقفتني مبادرة أرامكو الأخيرة التي أطلقتها برعاية؛ وحضور كريم من الأمير سعود بن نايف؛ أمير المنطقة الشرقية الداعم والمحفز الأول للمساهمات التنموية والمجتمعية في المنطقة. مبادرة جميلة تهدف لزراعة مليون شجرة؛ في مناطق أعمالها؛ دعما للتشجير وتنمية الغطاء النباتي الطبيعي، والتنوع الإحيائي ،والمحافظة على البيئة، ودعم الحياة الفطرية، وتعمل على خفض درجة الحرارة وامتصاص ثاني أكسيد الكربون للحد من التلوث وتقليل آثار زحف الرمال على الطرق.
تزامن مبادرة أرامكو مع إطلاق برنامج جودة الحياة 2020؛ أحد أهم برامج رؤية المملكة 2030؛ يبعث على التفاؤل لوجود التناغم الأمثل بين الكيانات الإقتصادية والجهات الحكومية؛ ليس في الجانب الاقتصادي فحسب بل وفي الجوانب المجتمعية؛ الأكثر أهمية للمواطنين.
قد تكون الجوانب البحثية من أهم المبادرات البيئية في أكثر المناطق حرارة وتصحرا وشحا في المياه؛ لذا أجزم أن تقنية «البوليمرات» المستخدمة في المشروع؛ والتي ستسهم في تخفيض كمية المياه المستخدمة في أعمال الري بنسبة تصل إلى 70%، وتسرع من عمليات الإنبات من أهم المكتسبات ليس لهذا المشروع فحسب بل وللمشروعات الزراعية في المملكة. الأمر عينه ينطبق على تقنيات معالجة المياه التي ستكون حاضرة وبقوة في المشروع الذي سيعتمد على المياه المعالجة؛ حماية للمخزون المائي.
أختم بأمنية مرتبطة بالجزر السعودية في الخليج العربي؛ ومنها «جريد»، «كران»، «كرين» «حريقيص» وغيرها؛ وإمكانية تحويلها إلى جزر حاضنة للأشجار؛ وجاذبة للسياح؛ ولعلي أركز على جزيرة «جريد» الأقرب لساحل الجبيل والتي شكلت خلال الخمسين عاما الماضية أهم الوجهات السياحية البحرية الدائمة لموظفي أرامكو الغربيين؛ وموقعا متميزا للغطس. أتمنى أن تحظى جزيرة «جريد» بمبادرة تنموية بيئية من أرامكو؛ تعيد لها أهميتها السياحية الأولى؛ ولتكون أحد أهم الوجهات السياحية في المنطقة؛ والجزيرة السياحية الأولى فيها.