الثقافية - محمد المرزوقي:
في ثلاثة أجزاء من القطع الكبير، صدر لمعالي لدكتور محمد بن عبد اللطيف بن محمد آل ملحم، وزير الدولة وعضو مجلس الوزراء السابق، كتاب بعنوان :»ابن مقرب: سقوط دولة وصعود شاعر»، في طبعة أولى، صادرة عن دارة آل ملحم للنشر، الذي وصفه المؤلف قائلا: إذ ذكر شعراء العروبة منذ العصر الجاهلي، وحى أيامنا المعاصرة، فإن ابن مقرب يعد من وجهة نظري، في طليعة هؤلاء الشعراء من أمثال امرؤ القيس والأخطل وجرير والمعري وأبو الطيب وشوق والرصافي وحافظ وغيرهم، إذ احتل ابن مقرب هذه المكانة التي لا غبار عليها، وذلك بعد أن نبش عن شعره في القرن الرابع عشر الهجري، وأصبح هذا الشعر في متناول من يرغب قراءته، والأسئلة التي تطرح نفسها في هذا السياق ؟ وهو الوطن الذي عشقه لدرجة أن من فرط هي: من هو هذا الشاعر؟ وفي أي عصر عاش؟ وكيف احتل مركز الصدارة؟ وبجدارة! في شرق شبه الجزيرة العربية كشاعر عملاق في عصره رغم أنه ذاق ويلات الذل والهوان في موطنه الأحساء، وهو الوطن الذي عشقه لدرجة أنه من فرط حبه له هجاه بمرارة! كما هجا ولاته وهم من أقرب الناس إليه لأسباب سترد تفاصيلها في ثنايا هذا الكتاب.
وأضاف آل ملحم، في هذا السياق: أرى أن هناك ثلاث مسلمات تاريخية جعلت من دولة أسرة ابن مقرب، وهي الدولة العيونية، نسيا منسيا، لولا ما حبره ابن مقرب، من شعر، وهو الشعر الذي يعتبر بمثابة السفر الوحيد عن تلك الدولة وأحوالها وأخباراها، فالمسلمة الأولى:
أن تلك الدولة قامت في شرق شبه الجزيرة العربية، وهي منطقة اهمل التاريخ أخبارها وأحوالها، ولم يأبه بتلك الأحوال والأخبار وذلك لأنها بعد أن كانت في مركز الصدارة في فجر التاريخ العربي الإسلامي وقبله، توارت عن الأنظار تاركة المجال لحواضر شهيرة أخرى بعيدة عنها، هي مكة المكرمة، المدينة المنورة، دمشق، بغداد، قاهرة المعز، وحواضر أخرى في شمال إفريقيا، وفي الأندلس،
بينما تتمثل المسلمة الثانية، أن هذه المنطقة رغم ما ألمّ بها من كوارث وأحداث، لم يأبه بها المؤرخون العرب الثقات، لعدم وجود تواصل بين أعزتها والولاة فيها وبين الذين عاشوا في تلك الحواضر النائية عنها، من ولاة ووجهاء وأدباء ومؤرخين ما عدا ابن مقرب، الذي نؤرخ له في هذا الكتاب، إلى جانب ما أرخه في شعره عن أحداث جرت بمنطقته، فقد رحل بنفسه من الأحساء إلى بعض تلك الحواضر على فترات لتحقيق ما كان يدور بخلده من تطلعات وآمال.
أما المسلمة الثالثة، فقد وصفها المؤلف قائلا: عدم تاريخ الحركة الأدبية والثقافية والدينية بمنطقة «ابن مقرب» نفسها، غذ كانت توجد بها حركة ذات ابعاد أدبية وثقافية ودينية قبل وبعد قيام الدولة (العيونية)، وحتى أفولها، ولكن ظلت هذه الحركة في طي النسيان لفترة طويلة من الزمن، وهذه المسلمة من وجهة نظري صحيحة وثابتة على أن يوجد ما يناقضها في مستقبل الأيام، وتصدى حسب علمي لابن مقرب قلة من الأدباء والمؤرخين والناشرين، منهم من نشر شعره، ومنهم من قام بدراسة شعره دراسة منهجية من الناحية الأدبية والفنية، إذ تعتبر قصة ابن مقرب كما عبر عنها في أشعاره ملحمة رائعة لعب هو فيها دور البطل، ولم يقم أي باحث حسب علمي بدراسة هذه الملحمة، على نحو كلي وشامل، وهي ملحمة لم تكتمل فصولها لظروف عصفت بالبطل، وتستحق هذه الملحمة مزيدا من البحث والتأمل والتقصي، لأن البطل فيها بالرغم من تضحياته ومعاناته، وبالرغم مما لاقاه من حرمان وتشريد أثناء حياته، قد حقق نصرا لا غبار عليه بعد حين من وفاته ويا له من انتصار!
وعن منهج آل ملحم لتقصي هذه الملحمة، واستجلاء صورة بطلها، قال: إن منهجي بحثي في هذا الكتاب سوف يتمركز حول القضية المحورية، وهي قضية الكشف عن محاورها من خلال التعرف على: أحوال الدولة العيونية وأخبارها وما خاضته من معارك كما تحدث عنها ابن مقرب في ملحماته الشعرية؛ علاقة ابن مقرب بأبناء عمومته؛ مصير ابن مقرب نفسه عندما باح بقضيته المحورية علانية وللكافة داخل الأحساء وخارجها؛ فالأمر كله سيكون في هذا محاولة أدبية مني، الغرض منها مجرد الكشف عما كان ابن مقرب يحاول تحقيقه والوصول إليه أثناء حياته، وذلك من خلال ما حبره من شعر، أما ما كان يدور بخلده ومكنون نفسه من أمورن فإنني أنأى بنفسي عن البحث فيها لتأكيد حقيقتها، ذلك أن علمها عند الله - سبحانه وتعالى - والله هو عالم بالسرائر وما يدور بالصدور.