عبده الأسمري
نتناقل يوميا مئات الرسائل الإلكترونية الموشحة بالحكم والعبر ويلجأ البعض إلى إرسال عشرات كتب التنمية البشرية وعلم النفس والاجتماع لمؤلفين عالميين، إضافة إلى عشرات القصص والروايات عبر الأجهزة المحمولة ولا أعلم كيف يجد البعض وقتا فقط لقراءة جزء أول منها في مساحة إلكترونية محاصرة بالفيديوهات والنصائح ورسائل الصباح والمساء والنكت السخيفة والكم المهول من الاستنساخ التقني المخجل الذي قد يتردد إلى عقلك يوميا عشرات المرات وكأنه عقاب حتمي من بعض المتفرغين لنقلها إليك.
منذ عشر سنوات ونحن على مواعيد شهرية مع إنتاج ثقافي يتراوح بين الكتب العامة والمتخصصة، وكذلك مؤلفات القصة والرواية والشعر وغيرها في ظل تنافس محموم أرى أنه «صحيا» فيما لو تم فلترة بعض دار النشر لما يرد إليها حتى لا تظل «الثقافة» ساحة مفتوحة، وكي لا يشوه جمال «الأدب» بإنتاج سخيف أو تافه يسيء إلى ثقافتنا.
أتعجب من إقامة معارض الكتاب في مواسم الدراسة ولا أعلم لماذا لا يتم جدولة هذه المعارض في الإجازات التي تصل إلى أشهر طويلة لدينا. وأتساءل في الوقت ذاته ما دور المكتبات العامة في خدمة القراءة وإقامة أنشطة مستمرة للسمو بمفهومها وإقامة المناسبات الخاصة بالكتاب والمسابقات التي تجذب المجتمع إلى القراءة والتلخيص ومعرفة المعاني الثقافية والمحتوى الأدبي من المنتجات الثقافية المتنوعة التي تمتلئ بها دور المكتبات.. أم أن دورها بات منحصرا في استضافة خطاطين ورسامين وإقامة المناشط لسد فراغات النشاط السنوي الذي ينتهي بتقرير مطبوع يضاف إلى رصيد مكرر لها.
ولا أعلم ما الخطط التي وضعتها وزارة التعليم في تفعيل دور المكتبة المدرسية التي باتت مكانا لاجتماع المعلمين في أوقات فراغهم أو جلب الطلاب إليها من باب سد ذريعة «النشاط المدرسي».
وأتساءل: لماذا يلجأ طلاب الجامعات لدينا إلى المكتبات الخارجية ويتواصلون مع دور عالمية وعربية للبحث عن كتب ومراجع يستندون منها في أبحاثهم.فيما أن ميزانية الجامعات كفيلة بتوفير كل المراجع داخل الجامعة حتى تكون «منبعا متكاملا للمعرفة « في وقت لا تزال فيه معظم جامعاتنا تنفذ بعض المعارض المتخصصة بالكتاب على استحياء وبشكل مكرر في ظل غياب شبه تام للأنشطة الثقافية المفترضة ووسط فجوة أزلية بين الجامعات والمكتبات العامة واتجاهات الثقافة وعدم وجود المخزون الثقافي المفترض الذي يجب أن يتوافر في مكتبات الجامعات التي تعد «دار العلم الأكبر « في منظومة التعليم.
وأتساءل: لماذا لا يكون قرار إدراج كتاب «حياة في الإدارة» للدكاترة غازي القصيبي رحمه الله في التعليم العام خطوة إلى وضع خطة أشمل لضم مناهج أخرى من كتب لمتميزين في الشأن الثقافي والإبداعي لوضعها في مناهج التعليم المكررة ومواد الجامعات التي لا تزال بعضها تدرس نظريات القرن الماضي دون ربط الطالب مع التطور والابتكار.
الإجازة على الأبواب والروتين يرتب مواعيده على جداول الأسر في ظل غياب تام للاستفادة من الوقت في تغذية عقول الأبناء وتدريب أنفسهم على الفائدة والمنفعة بعيدا عن السهر والنوم بالتناوب وسياحة للأبدان وسط تغافل للعقول.
لدينا أرصدة ثقافية مجمدة وثراء معرفي متميز وإثراء أدبي في كل المجالات يجب أن يتم استغلاله، وأن يتم السحب منه فهو متاح للجميع ودون عناء فقط يجب أن يكون هنالك تغيير للمفاهيم وتبديل للتخطيط الخاص للاستفادة هذه الأرصدة، سواء فيما يخص المناهج أو التعليم أو أنشطة القراءة والكتابة ومناشط الإجازات التي يجب أن تجعل «الثقافة» ركنا أساسيا للسياحة والترفية والفائدة.
وعلى المجتمع أن يستفيد من هذه الأرصدة في تنمية عقول الأجيال وفي نماء التفكير وتغيير نمط السلوك الحياتي المكرر.