أحمد المغلوث
اجتمعوا الأصدقاء والزملاء كعادتهم في مزرعة صاحبهم وكان أكبرهم سنا لكن اجتماعهم الليلة لم يكن كعادته مساء الجمعة فبعضهم اعتذر لظروف عائلية فتقرر تأجيل الاجتماع باتفاق الجميع لمساء السبت. وهذا ما حصل وكبيرهم الذي اعتاد ضيافتهم في مزرعته جعل الجلسة خارجية، وعلى «الدكك» الاسمنتية التي اكتسيت بالسيراميك الأبيض وغطيت « بالسجاد ومن ثم فرشت» «بالدواشق» والمساند البيضاء المطرزة بالورود. فهو عاشق للتراث ولكل ماله علاقة بالتاريخ والموروث. كان السيد صالح الأشيب الشعر الذي ترك الجدري في وجهه ندوبا متناثرة. يسير بخطى حثيثة وإيقاع سريع مثل أيام هذا الزمن فهو لا يصدق أنه بعد أيام سوف يتجاوز عمره الثمانين عاماً. لكنه يحمد الله كثيراً أنه وفي هذا العمر مازال ولله الحمد يتمتع بصحة وحيوية أفضل من غيره. بل إن بعض أصدقائه ومعارفه يطلبون منه أن يخبرهم عن السر الذي جعله بهذه الحيوية والصحة. فبعضهم باتوا يتوكأوون على العصي.. رغم أنهم أصغر منه سنا. قلب السيد صالح «الرموت» باحثا عن الأخبار. فالساعة الآن التاسعة وهذا هو الوقت المفضل لمشاهدتها خصوصا وقد اكتمل حضور جميع أعضاء جلستهم الأسبوعية. كان عامل المزرعة «جون» يقوم بصب القهوة باحترافية يغبطها عليه كل من يشاهده بل كان يرفع يده اليسرى الممسكة «بالدلة الرسلان» إلى مستوى عال مع ابتسامة ناصعة البياض حتى إن جميع من في الجلسة يستطيعون سماع «صب» القهوة في الفنجان..! وعندما وقف جون أمام أبي يوسف ليناوله فنجانه. قال مخاطبا السيد صالح يا ليت تسمح لعاملك «جون» يدرب لنا عاملنا «كومار» الذي تعبنا الله يغربل شره. كم مرة كسر «الفناجين» وتكسيرها أهون من صبه مرة «القهوة» على ثياب ضيوف مجلسنا. فرد صالح بصوت خفيض. ليه تعتمد على «جون» وأمثاله. البركة فيك وفي أولادك. كلها لحظات. ويتعلم منكم ولا خلاص نسيتم حمل الدلال يا مال العافية. ما عندكم وقت حتى لتعليم وتدريب عاملكم «كومار» عندها وضع يوسف فنجانه على الطاولة الصغيرة التي أمامه وقال: بصوته الأجش وبنبرة فيها عتاب. حيلك حيلك يا أخوي صالح. ترى ما طلبت شيء إلا بسيط. ما خبرتك تبخل علينا بشيء من وقت عاملكم «جون» وبصراحة أعجبتني طريقته في «صب» القهوة تقول ما شاء الله عليه خريج ديوانية بدوية كلها أصالة وعراقة. لا والجميل إنه لابس ثوب. كل هذه الأشياء جعلته متميزاً ومغرياً ودافعاً في نفس الوقت لي أن أطلب منكم. هذه الخمة البسيطة، وبيني وبينكم وأقولها بصراحة أمام الجميع في هذه الجلسة العامرة بالحب والود. لقد تفوق بعض العمالة على أولادنا في معرفة أصول وتقاليد كيفية تقديم قهوتنا التي نعتز بها.
فوضع السيد صالح «الرموت» من يده واعتدل في جلسته وقال باسما وبانت سنته الذهبية: لا تاخذ بخاطرك أنا كنت أمزح. وإذا كان عاملك أو سواقك معك اتصل به على جواله. ليبدأ الآن حصة التدريب وبعدها يتوجه لمساعدة «جون» في إعداد المندي تراه خبيرا في مندي اللحم والدجاج. وأزيدك من الشعر بيت يتفنن في عمل شوربة طيور السمان.. عندها تضاحك الحضور في سعادة وحبور..؟!