سعد بن عبدالقادر القويعي
يأتي تحذير مركز الحرب الفكرية -التابع لوزارة الدفاع- من التطرف، في فهم المعنى الشرعي للجهاد، كأحد مزالق التطرف الخطيرة ؛ نتيجة تحريف معاني النصوص الشرعية الأخرى، والجهل بقواعدها التي تقضي بحمل مطلقها على مقيدها، وعامها على خاصها، ومجملها على مبينها؛ إذ يعتبر أحد مزالق التطرف، التي أثرت على فهم معنى الجهاد في القرآن الكريم، حين عبّر حسابه الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، وضرب المركز مثالا بالآية الكريمة: {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ}، مشيرًا إلى أنها تظهر بجلاء مغالطات التطرف حول تعريف الجهاد بمعناه القتالي لدى الإرهابيين، حيث تؤكد الآية مشروعية الجهاد؛ لمواجهة من قاتل -فقط-، مع التحذير من الاعتداء ابتداءً.
من فضل الله، ورحمته على هذه الأمة، أن شرع جميع الأحكام لمقاصد، وغايات عظيمة، والمبنية -كلها- على مصالح العباد في دنياهم، وأخراهم. وهذا يقتضي أن يتقدم المتأهلون لعملية التصويب، ونفي الانحراف، والتأويل المعوج، والإحاطة بفقه الأولويات، وعدم الخلط بين ما هو جزئي، وكلي، ومتغير، وثابِت، وحاجي، وضروري؛ شريطة أن تكون ضمن الشرع؛ لتحقيق مصالح ضرورية، والتي أكد عليها، وغلظ في أحكامها، وما يترتب عليها من أحكام ؛ ضمانا لتحقيق نوع من التوازن بين القوى الاجتماعية. كما أن من المعالم المنهجية الأصيلة، ضرورة معرفة مقاصد التشريع، وغايات الأحكام، التي تعين المجتهد في تصور الأحكام تصورًا متكاملاً، ومن ثم يستطيع تقدير المصالح، والموازنة بينها، والاجتهاد في النوازل، ووضع الأمور في مواضعها اللائقة بها شرعاً، وعقلاً؛ وليرتفع أكثر الاختلاف، ويحصل العلم، والإنصاف؛ ولتجري الشريعة على نظام واحد، لا اختلاف فيه، ولا تناقض.
إن فهم الخطاب فهما صحيحا، وعقل النصوص، والمقالات بما يتوصل بها إلى إيضاح ما فيه خفاء من النصوص، ورفع ما قد يظهر بينها من تعارض، وتأويل على تأويله، -ومثله- الاستقراء التام لأدلة الشريعة المتفق عليها، مع اتفاق العقول الصحيحة على ذلك، وغير هذا مما يتعلق باستفادة الأحكام من نصوصها، سيورث ثباتا، واستقرارا في المعتقد، واطرادا في المنهج، ومسؤولية الدفاع عن الخطاب الشرعي الصحيح، والذود عن حياضه، كل حسب قدرته، وطاقته. مع ملاحظة أنه لا يصح الخوض في هكذا قضايا إلا من لطف ذهنه، واستقام فهمه، ودق اجتهاده، وهذا ما جعل الشريعة -راسخة صامدة ثابتة شامخة- على مر العصور، وبما حوته من الخير، والهدى، والنور، والبيان.