د. محمد عبدالله العوين
لا أجد سببا واحدا يدعو الرئيس التنفيذي لهيئة الإذاعة والتلفزيون الزميل العزيز الأستاذ داود الشريان إلى إلغاء «القناة الثقافية» من خارطة قنواتنا السعودية، فقد كانت القناة تقوم بسد فراغ إعلامي كبير وتحملت عبء متابعة اللقاءات والمنتديات والمهرجانات، وكانت حاضرة في المناسبات الثقافية كافة؛ على الرغم مما كانت تعانيه من نقص حاد في الجوانب الفنية والمالية والكفاءات البشرية المؤهلة تأهيلا مهنيا وثقافيا جيدا يرفع من مستوى أداء القناة.
لقد كنت قريبا جدا من الثقافية ومتحدثا في كثير من برامجها وأعلم عن قرب حجم العجز الكبير في توفير الإمكانات الفنية الضرورية اللازمة، فلم يكن لديها إلا استديو وحيد كئيب بزوايا مختلفة، ونقص في الكفاءات البشرية؛ مع تميز بعض مذيعيها وسلامة أدائهم وسعة ثقافتهم ووضوح الحس الأدبي عندهم.
لم تكن الثقافية الوحيدة التي كانت تعاني؛ فقد كانت القنوات الأخرى التابعة للهيئة تعاني هي الأخرى من مشكلات كثيرة تحجزها عن التميز؛ ولهذه الأسباب مجتمعة تنادت الأصوات المخلصة بضرورة تطوير القنوات السعودية كلها وغيرت وبدلت الإدارات السابقة وأتي بالأستاذ داود الشريان لينهض بهذه المهمة الجليلة وهو إعلامي كفء لذلك، واحتاج التطوير والتجديد منه إلى وقت طويل تم فيه هدم وإعادة بناء وتغيير وتبديل واستغناء واستقطاب وإعادة تشكيل إدارات وتصحيح أوضاع وإمساك وإنفاق وحذف وإبقاء، وكان ضمن إرادة التطوير والتحديث القناة الثانية التي سيعاد بناء رؤيتها وتشكيل إدارتها وتهيئة كوادرها لتنطلق من جديد؛ وهو ما لم يعلن أنه ينطبق على الثقافية، فالثانية ستولد بثوب جديد والثقافية ستدفن بكفن جديد إلى الأبد!
وفي هذه المرحلة المهمة من تاريخنا الوطني الزاهر الذي نعيشه بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وسمو ولي عهد الأمين الأمير محمد بن سلمان - حفظهما الله - نحن أحوج ما نكون إلى قناة ثقافية مميزة تنقل ما نعيشه الآن من تحولات وطنية سريعة ستصل بنا إلى 2020م ومعها تتابع القناة الإيقاع المتناغم المتصاعد خلال السنوات العشر التالية تحقيقا لرؤية 2030 الرائدة.
إننا ونحن ندخل إلى الخطوات الأولى في إرساء قواعد عمل ثقافي وفني جديد ومنفتح؛ كالسينما والمسرح والحفلات الغنائية والمهرجانات والنشاطات الثقافية والفنية المختلفة علينا عدم إلغاء الثقافية التي كان من الممكن تطويرها لتنهض بمهمتها الجليلة في نقل ورصد ومتابعة الأنشطة الثقافية بألوانها وأطيافها المتعددة.
والقنوات الأخرى العامة لن تفي بمهمة نقل ومتابعة النشاط الثقافي والفني حتى لو سخت ببعض الوقت.
وتطوير القناة الثقافية يحتاج إلى استراتيجية واضحة وعمل دؤوب وتوفيق في تشكيل إدارتها وحسن اختيار للكفاءات المهنية التي ستعمل فيها.
وإن من إظهار الصورة الحقيقية لوطننا العزيز أن تتجلى الكنوز العقلية والإبداعية، وأن يظهر للآخرين كم نحن أغنياء ولدينا ثروات كبرى غير النفط والمعادن؛ وأهمها «الإنسان»، فلعل الإعلامي المبدع الأستاذ داود الشريان يعيد النظر في قرار حجب الثقافية من الظهور.