د. أحمد الفراج
سبق أن كتبت أن للسياسة مواسم، حيث يحدث أن تكتظ الساحة بالساسة الكبار، لدرجة أن الناخب يحار في خياراته المتاحة، سواء للرئاسة أو للكونجرس، وأحياناً يكون هناك فقر شديد، حيث يصعب إيجاد سياسي من طراز رفيع وعيار ثقيل، من شاكلة جورج واشنطن، وتوماس جيفرسون، وإبراهام لينكولن، وتيد روزفلت، وفرانكلين روزفلت، وآل كينيدي، جون وتيد، وجورج بوش الأب، وأمريكا تمر، منذ فترة ليست بالقصيرة، بمرحلة جدب، وفقر شديد في وجود الساسة الكبار، ولعل هذا هو أحد أسباب فوز باراك أوباما، ومن ثم دونالد ترمب بالرئاسة، مع عدم إغفال أن فوز أوباما، كان سببه ملل الشعب الأمريكي من الحروب وتبعاتها، والتي هزت المجتمع الأمريكي، زمن إدارة ثلاثي الرعب، بوش الابن وديك تشيني ودونالد رامسفيلد، كما أن فوز ترمب، كان أحد أسبابه ثورة شرائح واسعة من الشعب الأمريكي على الساسة التقليديين والمؤسسة الرسمية الحاكمة في واشنطن.
مر زمن، كنا نتابع ساسة أمريكا الكبار، خصوصاً في الكونجرس بشقيه، مجلس الشيوخ ومجلس النواب، وحين يأتي موعد الترشح للانتخابات الرئاسية، تكون هناك عشرات الأسماء من خيرة الساسة، وبهذا الخصوص ما زلت أذكر استجوابات مجلس الشيوخ، لمرشحي الرئيس بوش الأب للمحكمة العليا، في بدايات تسعينيات القرن الماضي، وبالذات استجواب القاضي الأسمر، كليرانس توماس، والذي كان عبارة عن ملحمة كبرى، نقلتها شاشات التلفزيون على الهواء، وتخللها دراما مشوقة، أبطالها أعضاء لجنة الشؤون القانونية في المجلس، والقاضي توماس، الذي بكى أكثر من مرة، وهو يتذكر الإهانات العنصرية، التي وجهت لجده، زمن سياسة الفصل العنصري، وبلغت الإثارة، خلال ذلك الاستجواب (المحاكمة)، أننا كنا ننتظر موعد بث اليوم التالي، وكأنه حدث مهم، واستغرق الاستجواب وقتاً طويلاً، لم يكن مملاً ولو للحظة واحدة!.
كان رئيس تلك اللجنة هو السيناتور، جوزيف بايدن، ومعه ساسة كبار، بعضهم تقاعد، مثل السيناتور، هاويل هفلن، وبعضهم لا يزال موجوداً حتى اليوم، ولكنهم هرموا، ولم تعد فعاليتهم كما كانت في السابق، مثل السيناتور باتريك ليهي، من ولاية فيرمونت، واورين هاتش، من ولاية يوتا والذين ربما تجاوزت أعمارهما الثمانين، بعد أن أمضيا عقوداً في مجلس الشيوخ، إذ إنه لا يوجد مدة محددة لعضو الكونجرس، ويستطيع أن يواصل الترشح مدى الحياة، وبالتالي فإن الكونجرس حالياً في حالة قحط، ما بين ساسة العيار الخفيف الجدد، والقدامى، الذين لم يعد بإمكانهم الاستمرار كما كانوا سابقاً، ومن يتابع نقاشات الكونجرس حالياً، يلحظ اتساع الهوة بين أعضاء الحزبين الرئيسيين، وزيادة حدة المناكفات الحزبية، التي تسببت، ولا تزال، في تعطيل المشاريع، والخلاصة هي أن أمريكا تمر بواحدة من أسوأ مراحلها، نتيجة لخلو الساحة من ساسة العيار الثقيل، القادرين على التسامي فوق الحزبية، وخدمة أمريكا ومصالحها، ويبدو أن هذا الوضع سيطول، ولكنه حتماً لن يستمر إلى ما لا نهاية!.